للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَوَابُ: ظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي قَبُولَ الْإِذْنِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْآذِنُ صَبِيًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْإِذْنِ صِفَاتُ الشَّهَادَةِ وَكَذَلِكَ قَبُولُ أَخْبَارِ هَؤُلَاءِ فِي الْهَدَايَا وَنَحْوِهَا.

السُّؤَالُ التَّاسِعُ: هَلْ يُعْتَبَرُ الِاسْتِئْذَانُ عَلَى الْمَحَارِمِ؟ وَالْجَوَابُ: نَعَمْ،

عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُخْتِي؟ فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَعَمْ أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً»

وَسَأَلَ رَجُلٌ حُذَيْفَةَ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُخْتِي، فَقَالَ إِنْ لَمْ تَسْتَأْذِنْ عليها رأيت ما يسوؤك، وَقَالَ عَطَاءٌ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُخْتِي وَمَنْ أُنْفِقُ عَلَيْهَا؟ قَالَ نَعَمْ إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُولُ: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النُّورِ: ٥٩] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى الْمَحَارِمِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ إِلَّا أَنَّهُ أَيْسَرُ لِجَوَازِ النَّظَرِ إِلَى شَعْرِهَا وَصَدْرِهَا وَسَاقِهَا وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَعْضَاءِ. وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الْهُجُومِ عَلَى الْغَيْرِ إِنْ كَانَ لِأَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ رُبَّمَا كَانَ مُنْكَشِفَ الْأَعْضَاءِ فَهَذَا دَخَلَ فِيهِ الْكُلُّ إِلَّا الزَّوْجَاتِ وَمِلْكَ الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مُشْتَغِلًا بِأَمْرٍ يَكْرَهُ إِطْلَاعَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَعُمَّ فِي الْكُلِّ، حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ إِلَّا بِإِذْنٍ.

السُّؤَالُ الْعَاشِرُ: إِذَا عَرَضَ أَمْرُ فِي دَارٍ مِنْ حَرِيقٍ أَوْ هُجُومِ سَارِقٍ أَوْ ظُهُورِ مُنْكَرٍ فَهَلْ يَجِبُ الِاسْتِئْذَانُ؟

الْجَوَابُ: كُلُّ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى بِالدَّلِيلِ فَهَذَا جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي الِاسْتِئْذَانِ، وَأَمَّا السَّلَامُ فَهُوَ مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أُمِرُوا بِهَا، وَأَمَانٌ لِلْقَوْمِ وَهُوَ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَجْلَبَةٌ لِلْمَوَدَّةِ وَنَافٍ لِلْحِقْدِ وَالضَّغِينَةِ،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّه تَعَالَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ، فَقَالَ الْحَمْدُ للَّه، فَحَمِدَ اللَّه بِإِذْنِ اللَّه، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ يَرْحَمُكَ رَبُّكَ يَا آدَمُ اذْهَبْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةِ، وَهُمْ مَلَأٌ مِنْهُمْ جُلُوسٌ فَقُلِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ»

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ، وَيُجِيبُهُ إِذَا دَعَاهُ، وَيَنْصَحُ لَهُ بِالْغَيْبِ، وَيُشَمِّتُهُ إِذَا عَطَسَ، وَيَعُودُهُ إِذَا مَرِضَ، وَيَشْهَدُ جِنَازَتَهُ إِذَا مَاتَ»

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنْ سَرَّكُمْ أَنْ يُسَلَّ الْغِلُّ مِنْ صُدُورِكُمْ فَأَفْشَوُا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» .

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ فَالْمَعْنَى فِيهِ ظَاهِرٌ، إِذِ الْمُرَادُ أَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَوْلَى لَكُمْ مِنَ الْهُجُومِ بِغَيْرِ إِذْنٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أَيْ لِكَيْ تَتَذَكَّرُوا هَذَا التَّأْدِيبَ فَتَتَمَسَّكُوا بِهِ، ثم قال: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَيْ فِي الْبُيُوتِ أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوها لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَهِيَ جَوَازُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أَحْوَالٌ مَكْتُومَةٌ يُكْرَهُ إِطْلَاعُ الدَّاخِلِ عَلَيْهَا، ثم قال: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ الدُّخُولُ قَدْ يَكْرَهُهُ صَاحِبُ الدَّارِ فَكَذَا الْوُقُوفُ عَلَى الْبَابِ قَدْ يَكْرَهُهُ، فَلَا جَرَمَ كَانَ الْأَوْلَى وَالْأَزْكَى لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِزَالَةً لِلْإِيحَاشِ وَالْإِيذَاءِ، وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى حُكْمَ الدُّورِ الْمَسْكُونَةِ ذَكَرَ بَعْدَهُ حُكْمَ الدُّورِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَسْكُونَةٍ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الدُّخُولِ إِلَّا بِإِذْنٍ زَائِلٌ عَنْهَا وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ: بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بن الحنفية أنها الخانات والرباطات وحوانيت البياعين والمتاع المنفعة، كالاستكان مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَإِيوَاءِ الرِّحَالِ وَالسِّلَعِ وَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ،

يُرْوَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّ اللَّه قَدْ أَنْزَلَ عَلَيْكَ آيَةً فِي الِاسْتِئْذَانِ وَإِنَّا نَخْتَلِفُ فِي تِجَارَتِنَا فَنَنْزِلُ هَذِهِ الْخَانَاتِ، أَفَلَا نَدْخُلُهَا إِلَّا بِإِذْنٍ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.

وَثَانِيهَا: أَنَّهَا الْخَرِبَاتُ يُتَبَرَّزُ فِيهَا وَالْمَتَاعُ التَّبَرُّزُ وَثَالِثُهَا:

<<  <  ج: ص:  >  >>