للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُمَّهَاتِ وَثَالِثُهَا: آبَاءُ أَزْوَاجِهِنَّ وَرَابِعُهَا وَخَامِسُهَا: أَبْنَاؤُهُنَّ وَأَبْنَاءُ بُعُولَتِهِنَّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا مِنَ الذَّكَرَانِ وَالْإِنَاثِ كَبَنِي الْبَنِينَ وَبَنِي الْبَنَاتِ وَسَادِسُهَا: إِخْوَانُهُنَّ سَوَاءٌ كَانُوا مِنَ الْأَبِ أَوْ مِنَ الْأُمِّ أَوْ مِنْهُمَا وَسَابِعُهَا: بَنُو إِخْوَانِهِنَّ وَثَامِنُهَا: بَنُو أَخَوَاتِهِنَّ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مَحَارِمُ، وَهَاهُنَا سُؤَالَاتٌ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: أَفَيَحِلُّ لِذَوِي الْمَحْرَمِ فِي الْمَمْلُوكَةِ وَالْكَافِرَةِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ فِي الْمُؤْمِنَةِ؟ الْجَوَابُ: إِذَا مَلَكَ الْمَرْأَةَ وَهِيَ مِنْ مَحَارِمِهِ فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى بَطْنِهَا وَظَهْرِهَا لَا عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، بَلْ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إِلَى مَزِيَّةِ الْمِلْكِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ.

السُّؤَالُ الثَّانِي: كَيْفَ الْقَوْلُ فِي الْعَمِّ وَالْخَالِ؟ الْجَوَابُ: الْقَوْلُ الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كَسَائِرِ الْمَحَارِمِ فِي جَوَازِ النَّظَرِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ لِأَنَّ الْآيَةَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا الرَّضَاعُ وَهُوَ كَالنَّسَبِ وَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ لَا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ [الْأَحْزَابِ: ٥٥] الْآيَةَ. وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهَا الْبُعُولَةُ وَلَا أبناءهم وَقَدْ ذُكِرُوا هَاهُنَا، وَقَدْ يُذْكَرُ الْبَعْضُ لِيُنَبِّهُ عَلَى الْجُمْلَةِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُمَا اللَّه لئلا يصفهما العم عند ابنه الخال كَذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ سَائِرَ الْقَرَابَاتِ تُشَارِكُ الْأَبَ وَالِابْنَ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ إِلَّا الْعَمَّ وَالْخَالَ وَأَبْنَاءَهُمَا، فَإِذَا رَآهَا الْأَبُ فَرُبَّمَا وَصَفَهَا لِابْنِهِ وَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ فَيَقْرُبُ تَصَوُّرُهُ لَهَا بِالْوَصْفِ مِنْ نَظَرِهِ إِلَيْهَا، وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الدَّلَالَاتِ الْبَلِيغَةِ عَلَى وجوب الاحتياط عليهن فِي التَّسَتُّرِ.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا السَّبَبُ فِي إِبَاحَةِ نَظَرِ هَؤُلَاءِ إِلَى زِينَةِ الْمَرْأَةِ؟ الْجَوَابُ: لِأَنَّهُمْ مَخْصُوصُونَ بِالْحَاجَةِ إِلَى مُدَاخَلَتِهِنَّ وَمُخَالَطَتِهِنَّ وَلِقِلَّةِ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ بِجِهَاتِهِنَّ، وَلِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنَ النَّفْرَةِ عَنْ مُجَالَسَةِ الْغَرَائِبِ، وَتَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إِلَى صُحْبَتِهِمْ فِي الْأَسْفَارِ وَلِلنُّزُولِ وَالرُّكُوبِ وَتَاسِعُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ نِسائِهِنَّ وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا:

الْمُرَادُ وَالنِّسَاءُ اللَّاتِي هُنَّ عَلَى دِينِهِنَّ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: لَيْسَ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تَتَجَرَّدَ بَيْنَ نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا تُبْدِي لِلْكَافِرَةِ إِلَّا مَا تُبْدِي لِلْأَجَانِبِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةً لَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ أَنْ يَمْنَعَ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ مَعَ الْمُؤْمِنَاتِ وَثَانِيهِمَا:

الْمُرَادُ بِنِسَائِهِنَّ جَمِيعُ النِّسَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَوْلُ السَّلَفِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَوْلَى وَعَاشِرُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَظَاهِرُ الْكَلَامِ يَشْمَلُ الْعَبِيدَ وَالْإِمَاءَ، وَاخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَى الْآيَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَيْهِنَّ فِي أَنْ يُظْهِرْنَ لِعَبِيدِهِنَّ مِنْ زِينَتِهِنَّ مَا يُظْهِرْنَ لِذَوِي مَحَارِمِهِنَّ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا، وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَبِمَا

رَوَى أَنَسٌ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا وَعَلَيْهَا ثَوْبٌ إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بِهَا، قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ»

وَعَنْ مُجَاهِدٍ: كَانَ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَحْتَجِبْنَ عَنْ مُكَاتَبِهِنَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا: أَنَّهَا قَالَتْ لِذَكْوَانَ:

«إِنَّكَ إِذَا وَضَعْتَنِي فِي الْقَبْرِ وَخَرَجْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ. وَرُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا: كَانَتْ تَمْتَشِطُ وَالْعَبْدُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنٌ وَابْنُ سِيرِينَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ: إِنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْظُرُ إِلَى شَعْرِ مَوْلَاتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِأُمُورٍ: أَحَدُهَا:

قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»

وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ السَّفَرُ بِهَا لَمْ/ يَجُزْ لَهُ النَّظَرُ إِلَى شَعْرِهَا كَالْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ وَثَانِيهَا: أَنَّ مِلْكَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>