للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْعَبْدِ لَا يُحَلِّلُ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبْلَ الملك إذ ملك النساء للرجل لَيْسَ كَمِلْكِ الرِّجَالِ لِلنِّسَاءِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهَا لَا تَسْتَبِيحُ بِمِلْكِ الْعَبْدِ مِنْهُ شَيْئًا مِنَ التَّمَتُّعِ كَمَا يَمْلِكُهُ الرَّجُلُ مِنَ الْأَمَةِ وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَوْلَاتِهِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ عَارِضٌ كَمَنَ عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِهِنَّ فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةً كَانَ الْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَجَانِبِ. إِذَا ثَبَتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ قَوْلِهِ: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ الْإِمَاءُ فَإِنْ قِيلَ الْإِمَاءُ دَخَلْنَ فِي قَوْلِهِ: نِسائِهِنَّ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الْإِعَادَةِ؟ قُلْنَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنَى بِنِسَائِهِنَّ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ مَنْ فِي صُحْبَتِهِنَّ مِنَ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَحْوَالَ الرِّجَالِ بِقَوْلِهِ: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ فَجَازَ أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ الرِّجَالَ مَخْصُوصُونَ بِذَلِكَ إِذْ كَانُوا ذَوِي الْمَحَارِمِ أَوْ غَيْرَ ذَاتِ الْمَحَارِمِ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَاءَ بِقَوْلِهِ: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ الْإِبَاحَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْحَرَائِرِ مِنَ النِّسَاءِ إِذْ كَانَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَوْ نِسائِهِنَّ يَقْتَضِي الْحَرَائِرَ دُونَ الْإِمَاءِ كَقَوْلِهِ: شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٢] عَلَى الْأَحْرَارِ لِإِضَافَتِهِمْ إِلَيْنَا كَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَوْ نِسائِهِنَّ عَلَى الْحَرَائِرِ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِنَّ الْإِمَاءَ فَأَبَاحَ لَهُنَّ مِثْلَ مَا أَبَاحَ فِي الْحَرَائِرِ وَحَادِيَ عَشَرَهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

المسألة الْأُولَى: قِيلَ هُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَكُمْ لِيَنَالُوا مِنْ فَضْلِ طَعَامِكُمْ، وَلَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَى النِّسَاءِ، لِأَنَّهُمْ بُلْهٌ لَا يَعْرِفُونَ مِنْ أَمْرِهِنَّ شَيْئًا، أَوْ شُيُوخٌ صُلَحَاءُ إِذَا كَانُوا مَعَهُنَّ غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخَصِيَّ وَالْعِنِّينِ وَمَنْ شَاكَلَهُمَا قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ إِرْبَةٌ فِي نَفْسِ الْجِمَاعِ وَيَكُونُ لَهُ إِرْبَةٌ قَوِيَّةٌ فِيمَا عَدَاهُ مِنَ التَّمَتُّعِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ. فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُرَادُ عَلَى مَنِ الْمَعْلُومُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا إِرْبَةَ لَهُ فِي سَائِرِ وُجُوهِ التَّمَتُّعِ، إِمَّا لِفَقْدِ الشَّهْوَةِ، وَإِمَّا لِفَقْدِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِمَّا لِلْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَعَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُمُ الْفُقَرَاءُ الَّذِينَ بِهِمُ الْفَاقَةُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَعْتُوهُ وَالْأَبْلَهُ وَالصَّبِيُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الشَّيْخُ، وَسَائِرُ مَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ، وَلَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ الْكُلِّ فِي ذَلِكَ،

وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا مُخَنَّثٌ فَأَقْبَلَ عَلَى أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّه إِنْ فَتَحَ اللَّه لَكُمْ غَدًا الطَّائِفَ دَلَلْتُكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ» فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ هَذَا»

فَأَبَاحَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دُخُولَ الْمُخَنَّثِ عَلَيْهِنَّ حِينَ ظَنَّ «١» أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ يَعْرِفُ أَحْوَالَ النِّسَاءِ وَأَوْصَافَهُنَّ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أُولِي الْإِرْبَةِ فَحَجَبَهُ، وَفِي الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: اسْتِبَاحَةُ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ مَعَهُمَا وَالثَّانِي: تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِمَا وَالثَّالِثَةُ: تَحْرِيمُهَا عَلَى الْخَصِيِّ دُونَ الْمَجْبُوبِ.

المسألة الثَّانِيَةُ: الْإِرْبَةُ الْفِعْلَةُ مِنَ الْأَرَبِ كَالْمِشْيَةِ وَالْجِلْسَةِ مِنَ الْمَشْيِ وَالْجُلُوسِ وَالْأَرَبُ/ الْحَاجَةُ وَالْوُلُوعُ بِالشَّيْءِ وَالشَّهْوَةُ لَهُ، وَالْإِرْبَةُ الْحَاجَةُ فِي النِّسَاءِ، وَالْإِرْبَةُ الْعَقْلُ وَمِنْهُ الْأَرِيبُ.

المسألة الثَّالِثَةُ: فِي غَيْرِ قِرَاءَتَانِ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ غَيْرَ بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ أَوِ الْحَالِ يَعْنِي أَوِ التَّابِعَيْنِ عَاجِزِينَ عَنْهُنَّ وَالْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ بِالْخَفْضِ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ وَثَانِيَ عَشَرَهَا: قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

المسألة الْأُولَى: الطِّفْلُ اسْمٌ لِلْوَاحِدِ لَكِنَّهُ وُضِعَ هَاهُنَا مَوْضِعَ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْجِنْسَ، وَيُبَيِّنُ ما بعده أنه


(١) في المطبعة الأميرية «حتى ظن» وهو تصنيف لأن المعنى لا يستقيم بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>