للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الرَّابِعَةُ: قَالَ الْحَسَنُ إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ نُودِيَ نِدَاءَ الْوَحْيِ لَا نِدَاءَ الْكَلَامِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى قَالَ الْجُمْهُورُ إِنَّ اللَّه تَعَالَى كَلَّمَهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النِّسَاءِ: ١٦٤] وَسَائِرُ الْآيَاتِ، وَأَمَّا الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الْحَسَنُ فَضَعِيفٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى لَمْ يَكُنْ بِالْوَحْيِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا بِالْوَحْيِ لَانْتَهَى آخِرُ الْأَمْرِ إِلَى كَلَامٍ يَسْمَعُهُ الْمُكَلَّفُ لَا بِالْوَحْيِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ بَلِ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى وَصِيَّتُهُ بِأَنْ يَتَشَدَّدَ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تَصِلُ إِلَيْهِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ بِالْوَحْيِ.

أَمَّا قَوْلُهُ: وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ كُلِّ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ كَأَنَّها جَانٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ تَعَالَى شَبَّهَهَا بِالْجَانِّ وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهُ فِي نَفْسِهِ جَانٌّ، فَلَا يَكُونُ هَذَا مُنَاقِضًا لِكَوْنِهِ ثُعْبَانًا بَلْ شَبَّهَهَا بِالْجَانِّ مِنْ حَيْثُ الِاهْتِزَازِ وَالْحَرَكَةِ لَا مِنْ حَيْثُ الْمِقْدَارِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي خَوْفِهِ، وَمَعْنَى وَلَمْ يُعَقِّبْ لَمْ يَرْجِعْ، يُقَالُ عَقَّبَ الْمُقَاتِلُ إِذَا كَرَّ بَعْدَ الْفَرِّ، وَقَالَ وَهْبٌ إِنَّهَا لَمْ تَدَعْ شَجَرَةً وَلَا صَخْرَةً إِلَّا ابْتَلَعَتْهَا حَتَّى سَمِعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ صَرِيرَ أَسْنَانِهَا وَسَمِعَ قَعْقَعَةَ الصَّخْرِ فِي جَوْفِهَا فَحِينَئِذٍ وَلَّى، وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَصَا عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: قَالُوا إِنَّ شُعَيْبًا كَانَتْ عِنْدَهُ عِصِيُّ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَقَالَ لِمُوسَى بِاللَّيْلِ إِذَا دَخَلْتَ ذَلِكَ الْبَيْتَ فَخُذْ عَصًا مِنْ تلك العصي. فأخذ؟؟؟ هَبَطَ بِهَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْجَنَّةِ وَلَمْ تَزَلِ الْأَنْبِيَاءُ تَتَوَارَثُهَا حَتَّى وَقَعَتْ إِلَى شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ أَرِنِي الْعَصَا فَلَمَسَهَا وَكَانَ مَكْفُوفًا فَضَنَّ بِهَا فَقَالَ خُذْ غَيْرَهَا فَمَا وَقَعَ فِي يَدِهِ إِلَّا هِيَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ مَعَهَا شَأْنًا.

وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ ابْنَتَهُ أَنْ تَأْتِيَ بِعَصًا لِأَجْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَدَخَلَتِ الْبَيْتَ وَأَخَذَتِ الْعَصَا وَأَتَتْهُ بِهَا فَلَمَّا رَآهَا الشَّيْخُ قَالَ ائْتِيهِ بِغَيْرِهَا فَأَلْقَتْهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ غَيْرَهَا فَلَمْ يَقَعْ فِي يَدِهَا غَيْرُهَا، فَلَمَّا رَأَى الشَّيْخُ ذَلِكَ رَضِيَ بِهِ ثُمَّ نَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَخَرَجَ يَطْلُبُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمَّا لَقِيَهُ قَالَ أَعْطِنِي الْعَصَا، قَالَ مُوسَى هِيَ عَصَايَ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا فَاخْتَصَمَا، ثُمَّ تَوَافَقَا عَلَى أَنْ يَجْعَلَا بَيْنَهُمَا أَوَّلَ رَجُلٍ يَلْقَاهُمَا فَأَتَاهُمَا مَلَكٌ يَمْشِي فَقَضَى بَيْنَهُمَا فَقَالَ ضَعُوهَا عَلَى الْأَرْضِ فَمَنْ حَمَلَهَا فَهِيَ لَهُ فَعَالَجَهَا الشَّيْخُ فَلَمْ يُطِقْ وَأَخَذَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِسُهُولَةٍ، فَتَرَكَهَا الشَّيْخُ لَهُ وَرَعَى لَهُ عَشْرَ سِنِينَ

وَثَانِيهَا:

رَوَى ابْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ فِي دَارِ بَيْرُونَ ابْنِ أَخِي شُعَيْبٍ بَيْتٌ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا بَيْرُونُ وَابْنَتُهُ الَّتِي زَوَّجَهَا مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنَّهَا كَانَتْ تَكْنُسُهُ وتنطفه، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ عَصَا، وَكَانَ لِبَيْرُونَ أَحَدَ عَشَرَ وَلَدًا مِنَ الذُّكُورِ فَكُلَّمَا أَدْرَكَ مِنْهُمْ وَلَدٌ أَمَرَهُ بِدُخُولِ الْبَيْتِ وَإِخْرَاجِ عَصًا مِنْ تِلْكَ الْعِصِيِّ فَرَجَعَ مُوسَى ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمْ يَجِدْ أَهْلَهُ واحتج إِلَى عَصَا لِرَعْيهِ فَدَخَلَ ذَلِكَ الْبَيْتَ وَأَخَذَ عَصًا مِنْ تِلْكَ الْعِصِيِّ وَخَرَجَ بِهَا فَلَمَّا عَلِمَتِ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ انْطَلَقَتْ إِلَى أَبِيهَا وَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ فَسُرَّ بِذَلِكَ بَيْرُونُ وَقَالَ لَهَا إِنَّ زَوْجَكِ هَذَا لَنَبِيٌّ، وَإِنَّ لَهُ مَعَ هَذِهِ الْعَصَا لَشَأْنًا

وَثَالِثُهَا:

فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا عَقَدَ الْعَقْدَ مَعَ شُعَيْبٍ وَأَصْبَحَ مِنَ الْغَدِ وَأَرَادَ الرَّعْيَ قَالَ لَهُ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ اذْهَبْ بِهَذِهِ الْأَغْنَامِ فَإِذَا بَلَغْتَ مَفْرِقَ الطَّرِيقِ فَخُذْ عَلَى يَسَارِكَ وَلَا تَأْخُذْ عَلَى يَمِينِكَ وَإِنْ كَانَ الْكَلَأُ بِهَا أَكْثَرَ فَإِنَّ بِهَا تِنِّينًا عَظِيمًا فَأَخْشَى عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَغْنَامِ مِنْهُ، فَذَهَبَ مُوسَى بِالْأَغْنَامِ فَلَمَّا بَلَغَ مَفْرِقَ الطَّرِيقِ أَخَذَتِ الْأَغْنَامُ ذَاتَ الْيَمِينِ فَاجْتَهَدَ مُوسَى عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا فَلَمْ يَقْدِرْ فَسَارَ عَلَى أَثَرِهَا فَرَأَى عُشْبًا كَثِيرًا، ثُمَّ إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ نَامَ وَالْأَغْنَامُ تَرْعَى وَإِذَا بِالتِّنِّينِ قَدْ جَاءَ فَقَامَتْ عَصَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَاتَلَتْهُ حَتَّى قَتَلَتْهُ وَعَادَتْ إِلَى جَنْبِ مُوسَى وَهِيَ دَامِيَةٌ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ موسى

<<  <  ج: ص:  >  >>