للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى الْعَصَا دَامِيَةً وَالتِّنِّينَ/ مَقْتُولًا فَارْتَاحَ لِذَلِكَ وَعَلِمَ أَنَّ للَّه تَعَالَى فِي تِلْكَ الْعَصَا قُدْرَةً وَآيَةً، وَعَادَ إِلَى شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ ضَرِيرًا فَمَسَّ الْأَغْنَامَ فَإِذَا هِيَ أَحْسَنُ حَالًا مِمَّا كَانَتْ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْقِصَّةِ فَفَرِحَ بِذَلِكَ وَعَلِمَ أَنَّ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَصَاهُ شَأْنًا، فَأَرَادَ أَنْ يُجَازِيَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى حُسْنِ رَعْيِهِ إِكْرَامًا وَصِلَةً لِابْنَتِهِ فَقَالَ إِنِّي وَهَبْتُ لَكَ مِنَ السِّخَالِ الَّتِي تَضَعُهَا أَغْنَامِي فِي هَذِهِ السَّنَةِ كُلَّ أَبْلَقٍ وَبَلْقَاءَ، فَأَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْمَاءَ الَّذِي تَسْقِي الْغَنَمَ مِنْهُ فَفَعَلَ ثُمَّ سَقَى الْأَغْنَامَ مِنْهُ فَمَا أَخْطَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا إِلَّا وَضَعَتْ حَمْلَهَا مَا بَيْنَ أَبْلَقٍ وَبَلْقَاءَ، فَعَلِمَ شُعَيْبٌ أَنَّ ذَلِكَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَامْرَأَتِهِ فَوَفَّى لَهُ شَرْطَهُ

وَرَابِعُهَا: قَالَ بَعْضُهُمْ تِلْكَ الْعَصَا هِيَ عَصَا آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَذَ تِلْكَ الْعَصَا بَعْدَ مَوْتِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَكَانَتْ مَعَهُ حَتَّى لَقِيَ بِهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ لَيْلًا وَخَامِسُهَا: قَالَ الْحَسَنُ مَا كَانَتْ إِلَّا عَصًا مِنَ الشَّجَرِ اعْتَرَضَهَا اعْتِرَاضًا أَيْ أَخَذَهَا مِنْ عَرْضِ الشَّجَرِ يُقَالُ اعْتَرَضَ إِذَا لَمْ يَتَخَيَّرْ، وَعَنِ الْكَلْبِيِّ: الشَّجَرَةُ الَّتِي مِنْهَا نُودِيَ شَجَرَةُ الْعَوْسَجِ وَمِنْهَا كَانَتْ عَصَاهُ وَلَا مَطْمَعَ فِي تَرْجِيحِ بَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا وَالْأَخْبَارُ مُتَعَارِضَةٌ واللَّه أَعْلَمُ بِهَا.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ عَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِثَلَاثِ عِبَارَاتٍ أَحَدُهَا: هَذِهِ وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ فِي طه [٢٢] وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ فِي النَّمْلِ [١٢] وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ قَالَ الْعَزِيزِيُّ فِي غَرِيبِ الْقُرْآنِ: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ أَدْخِلْهَا فِيهِ.

أَمَّا قَوْلُهُ: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَأَحْسَنُ النَّاسِ كَلَامًا فِيهِ، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : فِيهِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا قَلَبَ اللَّه لَهُ الْعَصَا حَيَّةً فَزِعَ وَاضْطَرَبَ فَاتَّقَاهَا بِيَدِهِ كَمَا يَفْعَلُ الْخَائِفُ مِنَ الشَّيْءِ، فَقِيلَ لَهُ إِنَّ اتِّقَاءَكَ بِيَدِكَ فِيهِ غَضَاضَةٌ عِنْدَ الْأَعْدَاءِ، فَإِذَا أَلْقَيْتَهَا فَكَمَا تَنْقَلِبُ حَيَّةً فَأَدْخِلْ يَدَكَ تَحْتَ عَضُدِكَ مَكَانَ اتِّقَائِكَ بِهَا، ثُمَّ أَخْرِجْهَا بَيْضَاءَ لِيَحْصُلَ الْأَمْرَانِ اجْتِنَابُ مَا هُوَ غَضَاضَةٌ عَلَيْكَ وَإِظْهَارُ مُعْجِزَةٍ أُخْرَى، وَالْمُرَادُ بِالْجَنَاحِ الْيَدُ لِأَنَّ يَدَيِ الْإِنْسَانِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحَيِ الطَّائِرِ، وَإِذَا أَدْخَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ عَضُدِهِ الْيُسْرَى فَقَدْ ضَمَّ جَنَاحَهُ إِلَيْهِ الثَّانِي: أَنْ يُرَادَ بِضَمِّ جَنَاحِهِ إِلَيْهِ تَجَلُّدُهُ وَضَبْطُهُ نَفْسَهُ وَتَشَدُّدُهُ عِنْدَ انْقِلَابِ الْعَصَا حَيَّةً حَتَّى لَا يَضْطَرِبَ وَلَا يَرْهَبَ اسْتَعَارَهُ مِنْ فِعْلِ الطَّائِرِ، لِأَنَّهُ إِذَا خَافَ نَشَرَ جَنَاحَيْهِ وَأَرْخَاهُمَا وَإِلَّا فَجَنَاحَاهُ مَضْمُومَانِ إليه مشمران، ومعنى قوله: مِنَ الرَّهْبِ من أجل الرَّهْبِ، أَيْ إِذَا أَصَابَكَ الرَّهْبُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْحَيَّةِ فَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ وَقَوْلُهُ: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ عَلَى أَحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ خُولِفَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ، وَإِنَّمَا كَرَّرَ الْمَعْنَى الْوَاحِدَ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْغَرَضَ فِي أَحَدِهِمَا خُرُوجُ الْيَدِ بَيْضَاءَ وَفِي الثَّانِي إِخْفَاءُ الرَّهْبِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ جُعِلَ الْجَنَاحُ وَهُوَ الْيَدُ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ/ مَضْمُومًا وَفِي الْآخَرِ مَضْمُومًا إِلَيْهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ وَقَوْلُهُ: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ [طه: ٢٢] فَمَا التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا؟ قُلْنَا الْمُرَادُ بِالْجَنَاحِ الْمَضْمُومِ هُوَ الْيَدُ الْيُمْنَى، وَبِالْمَضْمُومِ إِلَيْهِ الْيَدُ الْيُسْرَى، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ يُمْنَى الْيَدَيْنِ وَيُسْرَاهُمَا جَنَاحٌ، هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» وَهُوَ فِي نِهَايَةِ الْحُسْنِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَذانِكَ قُرِئَ مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا، فَالْمُخَفَّفُ مُثَنَّى (ذَا) «١» ، وَالْمُشَدَّدُ مُثَنَّى


(١) في الكشاف (ذلك)

<<  <  ج: ص:  >  >>