للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقِيلَ إِنَّهُ إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَالْكَلْبِيِّ، وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ إِسْمَاعِيلُ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ»

وَقَالَ لَهُ أَعْرَابِيٌّ: «يَا ابْنَ الذَّبِيحَيْنِ فَتَبَسَّمَ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ لَمَّا حَفَرَ بِئْرَ زَمْزَمَ نَذَرَ لِلَّهِ لَئِنْ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهَا لَيَذْبَحَنَّ أَحَدَ وَلَدِهِ، فَخَرَجَ السَّهْمُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَمَنَعَهُ أَخْوَالُهُ وَقَالُوا لَهُ افْدِ ابْنَكَ بِمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، فَفَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَالذَّبِيحُ الثَّانِي إِسْمَاعِيلُ» .

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: نُقِلَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ عَنِ الذَّبِيحِ، فَقَالَ: يَا أَصْمَعِيُّ أَيْنَ عَقْلُكَ، وَمَتَى كَانَ إِسْحَاقُ بِمَكَّةَ وَإِنَّمَا كَانَ إِسْمَاعِيلُ بِمَكَّةَ وَهُوَ الَّذِي بَنَى الْبَيْتَ مَعَ أَبِيهِ وَالْمَنْحَرَ بِمَكَّةَ؟

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ إِسْمَاعِيلَ بِالصَّبْرِ دُونَ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ: وَإِسْماعِيلَ/ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ [الْأَنْبِيَاءِ: ٨٥] وَهُوَ صَبْرُهُ عَلَى الذَّبْحِ، وَوَصَفَهُ أَيْضًا بِصِدْقِ الْوَعْدِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ [مَرْيَمَ: ٥٤] لِأَنَّهُ وَعَدَ أَبَاهُ مِنْ نَفْسِهِ الصَّبْرَ عَلَى الذَّبْحِ فَوَفَّى بِهِ.

الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ [هُودٍ: ٧١] فَنَقُولُ لَوْ كَانَ الذَّبِيحُ إِسْحَاقَ لَكَانَ الْأَمْرُ بِذَبْحِهِ إِمَّا أَنْ يَقَعَ قَبْلَ ظُهُورِ يَعْقُوبَ، مِنْهُ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْأَوَّلُ: بَاطِلٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَشَّرَهَا بِإِسْحَاقَ، وَبَشَّرَهَا مَعَهُ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ يَعْقُوبُ فَقَبْلَ ظُهُورِ يَعْقُوبَ مِنْهُ لَمْ يَجُزِ الْأَمْرُ بِذَبْحِهِ، وَإِلَّا حَصَلَ الخلف في قوله: وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ وَالثَّانِي: بَاطِلٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الِابْنَ لَمَّا قَدَرَ عَلَى السَّعْيِ وَوَصَلَ إِلَى حَدِّ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِهِ، وَذَلِكَ يُنَافِي وُقُوعَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي زَمَانٍ آخَرَ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الذَّبِيحُ هُوَ إِسْحَاقَ.

الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات: ٩٩] ثُمَّ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَدًا يَسْتَأْنِسُ بِهِ فِي غُرْبَتِهِ فَقَالَ: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات: ١٠٠] وَهَذَا السُّؤَالُ إِنَّمَا يَحْسُنُ قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الْوَلَدُ، لِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ لَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ لَمَا طَلَبَ الْوَلَدَ الْوَاحِدَ، لَأَنَّ طَلَبَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ وَقَوْلُهُ: هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ لَا يُفِيدُ إِلَّا طَلَبَ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ، وَكَلِمَةُ مَنْ لِلتَّبْعِيضِ وَأَقَلُّ دَرَجَاتِ الْبَعْضِيَّةِ الْوَاحِدُ فَكَأَنَّ قَوْلَهُ: مِنَ الصَّالِحِينَ لَا يُفِيدُ إِلَّا طَلَبَ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ لَا يَحْسُنُ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ كُلِّ الْأَوْلَادِ فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ وَقَعَ حَالَ طَلَبِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ، وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ إِسْمَاعِيلَ مُتَقَدِّمٌ فِي الْوُجُودِ عَلَى إِسْحَاقَ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بهذا الدعاء وهو إِسْمَاعِيلُ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ عَقِيبَهُ قِصَّةَ الذَّبِيحِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الذَّبِيحُ هُوَ إِسْمَاعِيلُ.

الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ: الْأَخْبَارُ الْكَثِيرَةُ فِي تَعْلِيقِ قَرْنِ الْكَبْشِ بِالْكَعْبَةِ، فَكَانَ الذَّبِيحُ بِمَكَّةَ. وَلَوْ كان الذبيح إسحاق لكان الذَّبْحُ بِالشَّامِ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ الذَّبِيحَ هُوَ إِسْحَاقُ بِوَجْهَيْنِ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ وَآخِرَهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، أَمَّا أَوَّلُهَا فَإِنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُهَاجَرَتُهُ إِلَى الشَّامِ ثُمَّ قَالَ: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ [الصافات:

١٠١] فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْغُلَامُ لَيْسَ إِلَّا إِسْحَاقَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْغُلَامِ الَّذِي بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ هُوَ ذَلِكَ الْغُلَامُ الَّذِي حَصَلَ فِي الشَّامِ، فَثَبَتَ أَنَّ مُقَدِّمَةَ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>