الْوُجُودِ أَحَدٌ أَعْلَى حَالًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ يُطِيعُهُ الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الظَّالِمِينَ، هَاهُنَا الْكُفَّارُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِي زَجْرِ الْكُفَّارِ/ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الله فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِهِمْ، وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَا شَفَاعَةَ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ وَالثَّالِثُ: أَنَّ لَفْظَ الظَّالِمِينَ، إِمَّا أَنْ يُفِيدَ الِاسْتِغْرَاقَ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُفِيدَ فَإِنْ أَفَادَ الِاسْتِغْرَاقَ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الظَّالِمِينَ مَجْمُوعَهُمْ وَجُمْلَتَهُمْ وَيَدْخُلُ فِي مَجْمُوعِ هَذَا الْكَلَامِ الْكُفَّارُ، وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْمَجْمُوعِ شَفِيعٌ لِأَنَّ بَعْضَ هَذَا الْمَجْمُوعِ هُمُ الْكُفَّارُ، وَلَيْسَ لَهُمْ شَفِيعٌ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لِهَذَا الْمَجْمُوعِ شَفِيعٌ، وَإِنْ لَمْ يُفِدِ الِاسْتِغْرَاقَ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الظَّالِمِينَ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَعِنْدَنَا أَنَّ بَعْضَ الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَيْسَ لَهُمْ شَفِيعٌ وَهُمُ الْكُفَّارُ، أَجَابَ الْمُسْتَدِلُّونَ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ، فَقَالُوا يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَحْمَلٍ مُفِيدٍ وَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ يُطِيعُهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْمُطِيعَ أَدْوَنُ حَالًا مِنَ الْمُطَاعِ، وَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ يُطِيعُهُ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ كَانَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهِ إِخْرَاجًا لَهَا عَنِ الْفَائِدَةِ فَوَجَبَ حَمْلُ الطَّاعَةِ عَلَى الْإِجَابَةِ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى وُرُودِ لَفْظِ الطَّاعَةِ بِمَعْنَى الْإِجَابَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
رُبَّ مَنْ أَنْضَجْتُ غَيْظًا صَدْرَهُ ... قَدْ تَمَنَّى لِي مَوْتًا لَمْ يُطَعْ
أَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي: فَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ لَفْظَ الظَّالِمِينَ صِيغَةُ جَمْعٍ دَخَلَ عَلَيْهَا حَرْفُ التَّعْرِيفِ فَيُفِيدُ الْعُمُومَ، أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَرَدَتْ لِذَمِّ الْكُفَّارِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.
أَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ: فَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ يُفِيدُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الظَّالِمِينَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَمِيمٌ وَلَا شَفِيعٌ يُطَاعُ، فَهَذَا تَمَامُ كَلَامِ الْقَوْمِ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالِ.
أَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ فَقَالُوا إِنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْأَصْنَامِ إِنَّهَا شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ وَكَانُوا يَقُولُونَ إِنَّهَا تَشْفَعُ لَنَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فِيهِ إِلَى إِذْنِ اللَّهِ، وَلِهَذَا السَّبَبِ رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الْبَقَرَةِ: ٢٥٥] فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ إِجَابَةَ الْأَصْنَامِ فِي تِلْكَ الشَّفَاعَةِ، وَهَذَا نَوْعُ طَاعَةٍ، فَاللَّهُ تَعَالَى نَفَى تِلْكَ الطَّاعَةَ بِقَوْلِهِ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ وَأَجَابُوا عَنِ الْكَلَامِ الثَّانِي بِأَنْ قَالُوا الْأَصْلُ فِي حَرْفِ التَّعْرِيفِ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى الْمَعْهُودِ السَّابِقِ، فَإِذَا دَخَلَ حَرْفُ التَّعْرِيفِ عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ، وَكَانَ هُنَاكَ مَعْهُودٌ سَابِقٌ انْصَرَفَ إِلَيْهِ، وَقَدْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعْهُودٌ سَابِقٌ وَهُمُ الْكُفَّارُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَيْهِ وَأَجَابُوا عَنِ الْكَلَامِ الثَّالِثِ بِأَنْ قَالُوا قَوْلَهُ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ يَحْتَمِلُ عُمُومَ السَّلْبِ، وَيَحْتَمِلُ سَلْبَ الْعُمُومِ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الظَّالِمِينَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَمِيمٌ وَلَا شَفِيعٌ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ مَجْمُوعَ الظَّالِمِينَ لَيْسَ لَهُمْ حَمِيمٌ وَلَا شَفِيعٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنِ الْمَجْمُوعِ نَفْيُهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ وَالَّذِي يُؤَكِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [الْبَقَرَةِ: ٦] فَقَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا يُؤْمِنُونَ، إِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّ كُلَّ/ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ لَزِمَ وُقُوعُ الْخُلْفِ فِي كَلَامِ اللَّهِ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ كَفَرَ فَقَدْ آمَنَ بَعْدَ ذَلِكَ، أَمَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّ مَجْمُوعَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا يُؤْمِنُونَ سَوَاءٌ آمَنَ بَعْضُهُمْ أَوْ لَمْ يُؤْمِنْ صَدَقَ وَتُخُلِّصَ عَنِ الْخُلْفِ، فَلَا جَرَمَ حَمَلْنَا هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى سَلْبِ الْعُمُومِ وَلَمْ نَحْمِلْهَا عَلَى عُمُومِ السَّلْبِ فَكَذَا قَوْلَهُ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يجب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute