للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَقَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ. الثَّانِي: أَنَّ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةَ فِي الْجَوَابِ عَنِ السُّؤَالِ الثَّانِي إِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا صِفَاتُ الْبَقَرَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِذَبْحِهَا أَوَّلًا أَوْ صِفَاتُ بَقَرَةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ السُّؤَالِ وَانْتَسَخَ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَطْلُوبُ، وَالثَّانِي: يَقْتَضِي أَنْ يَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ آخِرًا، وَأَنْ لَا يَجِبَ حُصُولُ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَمَّا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ/ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ بِأَسْرِهَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً عَلِمْنَا فَسَادَ هَذَا الْقِسْمِ.

فَإِنْ قِيلَ أَمَّا الْكِنَايَاتُ فَلَا نُسَلِّمُ عَوْدَهَا إِلَى الْبَقَرَةِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا كِنَايَاتٌ عَنِ الْقِصَّةِ وَالشَّأْنِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ الْعَرَبِ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ هَذِهِ الْكِنَايَاتِ لَوْ كَانَتْ عَائِدَةً إِلَى الْقِصَّةِ وَالشَّأْنِ لَبَقِيَ مَا بَعْدَ هَذِهِ الْكِنَايَاتِ غَيْرَ مُفِيدٍ، لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ: بَقَرَةٌ صَفْراءُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ شَيْءٍ آخَرَ وَذَلِكَ خِلَافُ الْأَصْلِ، أَمَّا إِذَا جَعَلْنَا الْكِنَايَاتِ عَائِدَةً إِلَى الْمَأْمُورِ بِهِ أَوَّلًا لَمْ يَلْزَمْ هَذَا الْمَحْذُورُ. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْحُكْمَ بِرُجُوعِ الْكِنَايَةِ إِلَى الْقِصَّةِ وَالشَّأْنِ خِلَافُ الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْكِنَايَةَ يَجِبُ عَوْدُهَا إِلَى شَيْءٍ جَرَى ذِكْرُهُ وَالْقِصَّةُ وَالشَّأْنُ لَمْ يَجْرِ ذِكْرُهُمَا فَلَا يَجُوزُ عَوْدُ الْكِنَايَةِ إِلَيْهِمَا لَكِنَّا خَالَفْنَا هَذَا الدَّلِيلَ لِلضَّرُورَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قوله: ما لَوْنُها، وما هِيَ لَا شَكَّ أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْبَقَرَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ عَائِدًا إِلَى تِلْكَ الْبَقَرَةِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنِ الْجَوَابُ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا سَائِلِينَ مُعَانِدِينَ لَمْ يَكُنْ فِي مِقْدَارِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مُوسَى مَا يُزِيلُ الِاحْتِمَالَ لِأَنَّ مِقْدَارَ مَا ذَكَرَهُ مُوسَى أَنْ تَكُونَ بَقَرَةً صَفْرَاءَ مُتَوَسِّطَةً فِي السِّنِّ كَامِلَةً فِي الْقُوَّةِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مَوْضِعٌ لِلِاحْتِمَالَاتِ الْكَثِيرَةِ، فَلَمَّا سَكَتُوا هَاهُنَا وَاكْتَفَوْا بِهِ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ مَا كَانُوا مُعَانِدِينَ. وَاحْتَجَّ الْفَرِيقُ الثَّانِي بِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً مَعْنَاهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً أَيَّ بَقَرَةٍ كَانَتْ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْعُمُومَ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارُ الصِّفَةِ بَعْدَ ذَلِكَ تَكْلِيفًا جَدِيدًا، وَثَانِيهَا: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَبْحَ بَقَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمَا اسْتَحَقُّوا التَّعْنِيفَ عَلَى طَلَبِ الْبَيَانِ بَلْ كَانُوا يَسْتَحِقُّونَ الْمَدْحَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا عَنَّفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ، وَفِي قَوْلِهِ:

فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ عَلِمْنَا تَقْصِيرَهُمْ فِي الْإِتْيَانِ بِمَا أُمِرُوا بِهِ أَوَّلًا وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ لَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ أَوَّلًا ذَبْحَ بَقَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ. الثَّالِثُ: مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ ذَبَحُوا أَيَّةَ بَقَرَةٍ أَرَادُوا لَأَجْزَأَتْ مِنْهُمْ لَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي فِيهِ أُمِرُوا بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى ذَبْحِهَا، فَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ ذَبْحَ بَقَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا بَيَّنَهَا لَكَانَ ذَلِكَ تَأْخِيرًا لِلْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَالْجَوَابُ: عَنِ الْأَوَّلِ مَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ ذَبْحُ بَقَرَةٍ، أَيِّ بَقَرَةٍ كَانَتْ، وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ فَرَّطُوا فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ وَأَنَّهُمْ كَادُوا يُفَرِّطُونَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الْبَيَانِ، بَلِ اللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَنَحْمِلُهُ عَلَى الْأَخِيرِ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَمَّا وَقَفُوا عَلَى تَمَامِ الْبَيَانِ تَوَقَّفُوا عِنْدَ ذَلِكَ وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَهُ، وَعَنِ الثَّالِثِ: أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ بَابِ الْآحَادِ وَبِتَقْدِيرِ الصِّحَّةِ، فَلَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُعَارِضَةً لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَنِ الرَّابِعِ: أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ دَلَّ الْأَمْرُ عَلَى الْفَوْرِ وَذَلِكَ عِنْدَنَا مَمْنُوعٌ.

وَاعْلَمْ أَنَّا إِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ بَقَرَةٌ أَيُّ بَقَرَةٍ كَانَتْ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ نَقُولَ: التَّكَالِيفُ مُغَايِرَةٌ فَكُلِّفُوا فِي الْأَوَّلِ: أَيَّ بَقَرَةٍ كَانَتْ، وَثَانِيًا: أَنْ تَكُونَ لَا فَارِضًا وَلَا بِكْرًا بَلْ عَوَانًا، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ كُلِّفُوا أَنْ تَكُونَ صَفْرَاءَ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ كُلِّفُوا أَنْ تَكُونَ مَعَ ذَلِكَ لَا ذَلُولًا تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ