للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْنَامِ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْإِلَهَ وَالْمَلَائِكَةَ، فَدِينُ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ إِنَّمَا ظَهَرَ مِنَ اعْتِقَادِ التَّجْسِيمِ الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ جَمَاعَةَ الصَّابِئَةِ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْإِلَهَ الْأَعْظَمَ خَلَقَ هَذِهِ الْكَوَاكِبَ الثَّابِتَةَ وَالسَّيَّارَةَ، وَفَوَّضَ تَدْبِيرَ هَذَا الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ إِلَيْهَا، فَالْبَشَرُ عَبِيدُ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ، وَالْكَوَاكِبُ عَبِيدُ الْإِلَهِ الْأَعْظَمِ، فَالْبَشَرُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ عِبَادَةُ الْكَوَاكِبِ، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْكَوَاكِبَ كَانَتْ تَطْلُعُ مَرَّةً وَتَغِيبُ أُخْرَى، فَاتَّخَذُوا أَصْنَامًا عَلَى صُوَرِهَا وَاشْتَغَلُوا بِعِبَادَتِهَا، وَغَرَضُهُمْ عِبَادَةُ الْكَوَاكِبِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ، كَانُوا مُنَجِّمِينَ عَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِ الْأَحْكَامِ، فِي إِضَافَاتِ سَعَادَاتِ هَذَا الْعَالَمِ وَنُحُوسَاتِهَا إِلَى الْكَوَاكِبِ، فَإِذَا اتَّفَقَ فِي الْفَلَكِ شَكْلٌ عَجِيبٌ صَالِحٌ لِطَلْسَمٍ عَجِيبٍ، فَكَانُوا يَتَّخِذُونَ ذَلِكَ الطَّلْسَمَ، وَكَانَ يَظْهَرُ مِنْهُ أَحْوَالٌ عَجِيبَةٌ وَآثَارٌ عَظِيمَةٌ، وَكَانُوا يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ الطَّلْسَمَ وَيُكْرِمُونَهُ وَيَشْتَغِلُونَ بِعِبَادَتِهِ، وَكَانُوا يتخذون كل طلسم على شكل موافق لكواكب خاص عَلَى صُورَةِ فَرَسٍ، وَنَسْرٌ عَلَى صُورَةِ نَسْرٍ الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ كَانَ يَمُوتُ أَقْوَامٌ صَالِحُونَ فَكَانُوا يَتَّخِذُونَ تَمَاثِيلَ عَلَى صُوَرِهِمْ وَيَشْتَغِلُونَ بِتَعْظِيمِهَا، وَغَرَضُهُمْ تَعْظِيمُ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ الَّذِينَ مَاتُوا حَتَّى يَكُونُوا شَافِعِينَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزُّمَرِ: ٣] الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ رُبَّمَا مَاتَ مَلِكٌ عَظِيمٌ، أَوْ شَخْصٌ عَظِيمٌ، فَكَانُوا يَتَّخِذُونَ تِمْثَالًا عَلَى صُورَتِهِ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَالَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَ ذَلِكَ ظَنُّوا أَنَّ آبَاءَهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا فَاشْتَغَلُوا بِعِبَادَتِهَا لِتَقْلِيدِ الْآبَاءِ، أَوْ لَعَلَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الْخَمْسَةَ وَهِيَ: وَدٌّ، وَسُوَاعٌ، وَيَغُوثُ، وَيَعُوقُ، وَنَسْرٌ، أَسْمَاءُ خَمْسَةٍ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ، فَلَمَّا مَاتُوا قَالَ إِبْلِيسُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ: لَوْ صَوَّرْتُمْ صُوَرَهُمْ، فَكُنْتُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ، فَفَعَلُوا فَلَمَّا مَاتَ أُولَئِكَ/ قَالَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ فَعَبَدُوهُمْ، وَلِهَذَا السَّبَبِ نَهَى الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَوَّلًا، ثُمَّ أَذِنَ فِيهَا عَلَى مَا

يُرْوَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا فَإِنَّ فِي زِيَارَتِهَا تَذْكِرَةً»

السَّادِسُ: الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّهُ تَعَالَى جِسْمٌ، وَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ وَالْحُلُولُ، لَا يَسْتَبْعِدُونَ أَنْ يَحِلَّ تَعَالَى فِي شَخْصِ إِنْسَانٍ، أَوْ فِي شَخْصِ صَنَمٍ، فَإِذَا أَحَسُّوا مِنْ ذَلِكَ الصَّنَمِ الْمُتَّخَذِ عَلَى وَجْهِ الطَّلْسَمِ حَالَةً عَجِيبَةً، خَطَرَ بِبَالِهِمْ أَنَّ الْإِلَهَ حَصَلَ فِي ذَلِكَ الصَّنَمِ وَلِذَلِكَ فَإِنَّ جَمْعًا مِنْ قُدَمَاءِ الرَّوَافِضِ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ قَلَعَ بَابَ خَيْبَرَ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَادِ قَالُوا: إِنَّ الْإِلَهَ حَلَّ فِي بَدَنِهِ وَإِنَّهُ هُوَ الْإِلَهُ الْوَجْهُ السَّابِعُ: لَعَلَّهُمُ اتَّخَذُوا تِلْكَ الْأَصْنَامَ كَالْمِحْرَابِ وَمَقْصُودُهُمْ بِالْعِبَادَةِ هُوَ اللَّهُ، فَهَذَا جُمْلَةُ مَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَبَعْضُهَا بَاطِلَةٌ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، فَإِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ بَطَلَ اتِّخَاذُ الصَّنَمِ عَلَى صُورَةِ الْإِلَهِ، وَبَطَلَ الْقَوْلُ أَيْضًا بِالْحُلُولِ وَالنُّزُولِ، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ الْمَقْدُورَاتِ، بَطَلَ الْقَوْلُ بالوسائط وَالطَّلْسَمَاتِ، وَلَمَّا جَاءَ الشَّرْعُ بِالْمَنْعِ مِنَ اتِّخَاذِ الصَّنَمِ، بَطَلَ الْقَوْلُ بِاتِّخَاذِهَا مَحَارِيبَ وَشُفَعَاءَ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: هَذِهِ الْأَصْنَامُ الْخَمْسَةُ كَانَتْ أَكْبَرَ أَصْنَامِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهَا انْتَقَلَتْ عَنْ قَوْمِ نُوحٍ إِلَى الْعَرَبِ، فَكَانَ وَدٌّ لِكَلْبٍ، وَسُوَاعٌ لِهَمْدَانَ، وَيَغُوثُ لِمَذْحِجٍ، وَيَعُوقُ لِمُرَادٍ، وَنَسْرٌ لِحِمْيَرَ وَلِذَلِكَ سَمَّتِ الْعَرَبُ بِعَبْدِ وَدٍّ، وَعَبْدِ يَغُوثَ، هَكَذَا قِيلَ فِي الْكُتُبِ، وَفِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ الدُّنْيَا قَدْ خَرِبَتْ فِي زَمَانِ الطُّوفَانِ، فَكَيْفَ بَقِيَتْ تِلْكَ الْأَصْنَامُ، وَكَيْفَ انْتَقَلَتْ إِلَى الْعَرَبِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَضَعَهَا فِي السَّفِينَةِ وَأَمْسَكَهَا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا جَاءَ لِنَفْيِهَا وَكَسْرِهَا فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ وَضَعَهَا فِي السَّفِينَةِ سَعْيًا مِنْهُ فِي حِفْظِهَا.

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قُرِئَ: لَا تَذَرُنَّ وَدًّا بِفَتْحِ الْوَاوِ وَبِضَمِّ الْوَاوِ، قَالَ اللَّيْثُ: وَدٌّ بِفَتْحِ الْوَاوِ صَنَمٌ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>