للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله في جنة عرضها السموات وَالْأَرْضُ فَأَكَلَ مِنْهَا، فَأَخْرَجَهُ اللَّهُ، ثُمَّ قَرَأَ: اهْبِطا مِنْها [طه: ١٢٣] وَإِيَّاكَ وَالْحَسَدَ فَإِنَّهُ قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ حِينَ حَسَدَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ [الْمَائِدَةِ: ٢٧] . الثَّانِي:

قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: مَا حَسَدْتُ أَحَدًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَيْفَ أَحْسُدُهُ عَلَى الدُّنْيَا وَهِيَ حَقِيرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَكَيْفَ أَحْسُدُهُ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا وَهُوَ يَصِيرُ إِلَى النَّارِ. الثَّالِثُ: قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ: هَلْ يَحْسُدُ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: مَا أَنْسَاكَ بَنِي يَعْقُوبَ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَضُرُّكَ مَا لَمْ تُعِدَّ بِهِ يَدًا وَلِسَانًا. الرَّابِعُ:

قَالَ مُعَاوِيَةُ: كُلُّ النَّاسِ أَقْدَرُ عَلَى/ رِضَاهُ إِلَّا الْحَاسِدَ فَإِنَّهُ لَا يُرْضِيهِ إِلَّا زَوَالُ النِّعْمَةِ. الْخَامِسُ: قِيلَ: الْحَاسِدُ لَا يَنَالُ مِنَ الْمَجَالِسِ إِلَّا مَذَمَّةً وَذُلًّا، وَلَا يَنَالُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا لَعْنَةً وَبُغْضًا، وَلَا يَنَالُ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا جَزَعًا وَغَمًّا، وَلَا يَنَالُ عِنْدَ الْفَزَعِ إِلَّا شِدَّةً وَهَوْلًا، وَعِنْدَ الْمَوْقِفِ إِلَّا فَضِيحَةً وَنَكَالًا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي حَقِيقَةِ الْحَسَدِ: إِذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى أَخِيكَ بِنِعْمَةٍ فَإِنْ أَرَدْتَ زَوَالَهَا فَهَذَا هُوَ الْحَسَدُ، وَإِنِ اشْتَهَيْتَ لِنَفْسِكَ مِثْلَهَا فَهَذَا هُوَ الْغِبْطَةُ وَالْمُنَافَسَةُ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَحَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ، إِلَّا نِعْمَةً أَصَابَهَا فَاجِرٌ أَوْ كَافِرٌ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الشَّرِّ وَالْفَسَادِ فَلَا يَضُرُّكَ مَحَبَّتُكَ لِزَوَالِهَا فَإِنَّكَ مَا تُحِبُّ زَوَالَهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا نِعْمَةٌ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا يُتَوَسَّلُ بِهَا إِلَى الْفَسَادِ وَالشَّرِّ وَالْأَذَى. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَسَدَ مَا ذَكَرْنَا آيَاتٌ. أَحَدُهَا: هَذِهِ الْآيَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ فَأَخْبَرَ أَنَّ حُبَّهُمْ زَوَالَ نِعْمَةِ الْإِيمَانِ حَسَدٌ. وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً [النِّسَاءِ: ٨٩] . وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها [آلِ عِمْرَانَ: ١٢٠] وَهَذَا الْفَرَحُ شَمَاتَةٌ، وَالْحَسَدُ وَالشَّمَاتَةُ مُتَلَازِمَانِ. وَرَابِعُهَا: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى حَسَدَ إِخْوَةِ يُوسُفَ وَعَبَّرَ عَمَّا فِي قُلُوبِهِمْ بِقَوْلِهِ: قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ [يُوسُفَ: ٨، ٩] فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ حَسَدَهُمْ لَهُ عِبَارَةٌ عَنْ كَرَاهَتِهِمْ حُصُولَ تِلْكَ النِّعْمَةِ لَهُ.

وَخَامِسُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا [الْحَشْرِ: ٩] أَيْ لَا تَضِيقُ بِهِ صُدُورُهُمْ وَلَا يَغْتَمُّونَ، فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِعَدَمِ الْحَسَدِ. وَسَادِسُهَا: قَالَ تَعَالَى فِي مَعْرِضِ الْإِنْكَارِ: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النِّسَاءِ: ٥٤] . وَسَابِعُهَا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ [الْبَقَرَةِ: ٢١٣] إِلَى قَوْلِهِ: إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ [الْبَقَرَةِ: ٢١٣] قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: حَسَدًا. وَثَامِنُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ [الشُّورَى: ١٤] فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْعِلْمَ لِيُؤَلِّفَ بَيْنَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ فَتَحَاسَدُوا وَاخْتَلَفُوا، إِذْ أَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالرِّيَاسَةِ وَقَبُولِ الْقَوْلِ.

وَتَاسِعُهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتِ الْيَهُودُ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا قَاتَلُوا قَوْمًا قَالُوا: نَسْأَلُكَ بِالنَّبِيِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنْ تُرْسِلَهُ وَبِالْكِتَابِ الَّذِي تُنْزِلُهُ إِلَّا تَنْصُرُنَا، فَكَانُوا يُنْصَرُونَ، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عَرَفُوهُ وَكَفَرُوا بِهِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ إِيَّاهُ فَقَالَ تَعَالَى: وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا [الْبَقَرَةِ: ٨٩] إِلَى قَوْلِهِ: أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً [الْبَقَرَةِ: ٩٠] أَيْ حَسَدًا.

وَقَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: جَاءَ أَبِي وَعَمِّي مِنْ عِنْدِكَ فَقَالَ أَبِي لِعَمِّي مَا تَقُولُ فِيهِ؟ قَالَ: أَقُولُ: إِنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى مُعَادَاتَهُ أَيَّامَ الْحَيَاةِ،

فَهَذَا حُكْمُ الْحَسَدِ. أَمَّا الْمُنَافَسَةُ فَلَيْسَتْ بِحَرَامٍ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ النَّفَاسَةِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ وُجُوهٌ. أَوَّلُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ