للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُتَنافِسُونَ

[الْمُطَفِّفِينَ: ٢٦] . وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الحديد: ٢١] وَإِنَّمَا الْمُسَابَقَةُ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوْتِ وَهُوَ كَالْعَبْدَيْنِ يَتَسَابَقَانِ إِلَى خِدْمَةِ/ مَوْلَاهُمَا إِذْ يَجْزَعُ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْبِقَهُ صَاحِبُهُ فَيَحْظَى عِنْدَ مَوْلَاهُ بِمَنْزِلَةٍ لَا يَحْظَى هُوَ بِهَا. وَثَالِثُهَا:

قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ، رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ بِهِ وَيُعَلِّمُهُ النَّاسَ» .

وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْحَسَدِ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُنَافَسَةِ، ثُمَّ نَقُولُ: الْمُنَافَسَةُ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَمَنْدُوبَةً وَمُبَاحَةً، أَمَّا الْوَاجِبَةُ فَكَمَا إِذَا كَانَتْ تِلْكَ النِّعْمَةُ نِعْمَةً دِينِيَّةً وَاجِبَةً كَالْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فههنا يجب عليه أن يحب لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُحِبَّ ذَلِكَ كَانَ رَاضِيًا بِالْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ حَرَامٌ، وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ تِلْكَ النِّعْمَةُ مِنَ الْفَضَائِلِ الْمَنْدُوبَةِ كَالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالتَّشْمِيرِ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ كَانَتِ الْمُنَافَسَةُ فِيهَا مَنْدُوبَةً، وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ تِلْكَ النِّعْمَةُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ كَانَتِ الْمُنَافَسَةُ فِيهَا مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَذْمُومُ أَنْ يُحِبَّ زَوَالَهَا عَنِ الْغَيْرِ، فَأَمَّا أَنْ يُحِبَّ حُصُولَهَا لَهُ وَزَوَالَ النُّقْصَانِ عَنْهُ فَهَذَا غَيْرُ مَذْمُومٍ، لَكِنَّ هاهنا دَقِيقَةً وَهِيَ أَنَّ زَوَالَ النُّقْصَانِ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْغَيْرِ لَهُ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِثْلُ مَا حَصَلَ لِلْغَيْرِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَزُولَ عَنِ الْغَيْرِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَإِذَا حَصَلَ الْيَأْسُ عَنْ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ فَيَكَادُ الْقَلْبُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ شَهْوَةِ الطَّرِيقِ الْآخَرِ، فَهَهُنَا إِنْ وَجَدَ قَلْبَهُ بِحَيْثُ لَوْ قَدَرَ على إزالة تلك الفضيلة عن تلك الشَّخْصِ لَأَزَالَهَا، فَهُوَ صَاحِبُ الْحَسَدِ الْمَذْمُومِ وَإِنْ كَانَ يَجِدُ قَلْبَهُ بِحَيْثُ تَرْدَعُهُ التَّقْوَى عَنْ إِزَالَةِ تِلْكَ النِّعْمَةِ عَنِ الْغَيْرِ فَالْمَرْجُوُّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ

قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ثلاث لا ينفك المؤمن منهن، الْحَسَدُ وَالظَّنُّ وَالطِّيَرَةُ، ثُمَّ قَالَ: وَلَهُ مِنْهُنَّ مَخْرَجٌ إِذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ» ،

أَيْ إِنْ وَجَدْتَ فِي قَلْبِكَ شَيْئًا فَلَا تَعْمَلْ بِهِ، فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي حَقِيقَةِ الْحَسَدِ وَكُلُّهُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الْغَزَالِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي مَرَاتِبِ الْحَسَدِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هِيَ أَرْبَعَةٌ. الْأُولَى: أَنْ يُحِبَّ زَوَالَ تِلْكَ النِّعْمَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ لَهُ وَهَذَا غَايَةُ الْحَسَدِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يُحِبَّ زَوَالَ تِلْكَ النِّعْمَةِ عَنْهُ إِلَيْهِ وَذَلِكَ مِثْلُ رَغْبَتِهِ فِي دَارٍ حَسَنَةٍ أَوِ امْرَأَةٍ جَمِيلَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ نَافِذَةٍ نَالَهَا غَيْرُهُ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لَهُ، فَالْمَطْلُوبُ بِالذَّاتِ حُصُولُهُ لَهُ، فَأَمَّا زَوَالُهُ عَنْ غَيْرِهِ فَمَطْلُوبٌ بِالْعَرَضِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَشْتَهِي عَنْهَا بَلْ يَشْتَهِي لِنَفَسِهِ مِثْلَهَا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ مِثْلِهَا أَحَبَّ زَوَالَهَا لِكَيْ لَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَشْتَهِيَ لِنَفَسِهِ مِثْلَهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَلَا يُحِبُّ زَوَالَهَا، وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ إِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا وَالْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ فِي الدِّينِ، وَالثَّالِثَةُ: مِنْهَا مَذْمُومَةٌ وَغَيْرُ مَذْمُومَةٍ، وَالثَّانِيَةُ: أَخَفُّ مِنَ الثَّالِثَةِ، وَالْأَوَّلُ: مَذْمُومٌ مَحْضٌ قَالَ تَعَالَى: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ [النِّسَاءِ: ٣٢] فَتَمَنِّيهِ لِمِثْلِ ذَلِكَ غَيْرُ مَذْمُومٍ وَأَمَّا تَمَنِّيهِ عَيْنَ ذَلِكَ فَهُوَ مَذْمُومٌ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ الْغَزَالِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِلْحَسَدِ سَبْعَةَ أَسْبَابٍ:

السَّبَبُ الْأَوَّلُ: الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ، فَإِنَّ مَنْ آذَاهُ إِنْسَانٌ أَبْغَضَهُ قَلْبُهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ/ الْغَضَبُ يُوَلِّدُ الْحِقْدَ وَالْحِقْدُ يَقْتَضِي التَّشَفِّيَ وَالِانْتِقَامَ، فَإِنْ عَجَزَ الْمُبْغِضُ عَنِ التَّشَفِّي بِنَفْسِهِ أَحَبَّ أَنْ يَتَشَفَّى مِنْهُ الزَّمَانُ، فَمَهْمَا أَصَابَ عَدُوَّهُ آفَةٌ وَبَلَاءٌ فَرِحَ، وَمَهْمَا أَصَابَتْهُ نِعْمَةٌ سَاءَتْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ضِدُّ مُرَادِهِ، فَالْحَسَدُ مِنْ لَوَازِمِ الْبُغْضِ وَالْعَدَاوَةِ وَلَا يُفَارِقُهُمَا، وَأَقْصَى الْإِمْكَانِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ لَا يُظْهِرَ تِلْكَ الْعَدَاوَةَ مِنْ نَفْسِهِ وَأَنْ يَكْرَهَ تِلْكَ الْحَالَةَ مِنْ نَفْسِهِ، فَأَمَّا أَنْ يُبْغِضَ إِنْسَانًا ثُمَّ تَسْتَوِي عِنْدَهُ مَسَرَّتُهُ وَمَسَاءَتُهُ فَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْحَسَدِ هُوَ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ الْكُفَّارَ بِهِ، إِذْ قَالَ: وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا