للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جِنَايَةٌ عَلَى حَدَقَةِ التَّوْحِيدِ وَقَذًى فِي عَيْنِ الْإِيمَانِ. وَثَانِيهَا: أَنَّكَ إِنْ غَشَشْتَ رَجُلًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَارَقْتَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فِي حُبِّهِمُ الْخَيْرَ لِعِبَادِ اللَّهِ وَشَارَكْتَ إِبْلِيسَ وَسَائِرَ الْكُفَّارِ فِي مَحَبَّتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ الْبَلَايَا، وَثَالِثُهَا: الْعِقَابُ الْعَظِيمُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ ضَرَرًا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ أَنَّكَ بِسَبَبِ الْحَسَدِ لَا تَزَالُ تَكُونُ فِي الْغَمِّ وَالْكَمَدِ وَأَعْدَاؤُكَ لَا يُخَلِّيهِمُ اللَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ النِّعَمِ فَلَا تَزَالُ تَتَعَذَّبُ بِكُلِّ نِعْمَةٍ تَرَاهَا وَتَتَأَلَّمُ بِكُلِّ بَلِيَّةٍ تَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَتَبْقَى أَبَدًا مَغْمُومًا مَهْمُومًا، فَقَدْ حَصَلَ لَكَ مَا أَرَدْتَ حُصُولَهُ لِأَعْدَائِكَ وَأَرَادَ أَعْدَاؤُكَ حُصُولَهُ لَكَ فَقَدْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمِحْنَةَ لِعَدُوِّكَ فَسَعَيْتَ فِي تَحْصِيلِ الْمِحْنَةِ لِنَفْسِكَ. ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْغَمَّ إِذَا اسْتَوْلَى عَلَيْكَ أَمْرَضَ بَدَنَكَ وَأَزَالَ الصِّحَّةَ عَنْكَ وَأَوْقَعَكَ فِي الْوَسَاوِسِ وَنَغَّصَ عَلَيْكَ لَذَّةَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ. وَأَمَّا أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَحْسُودِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَوَاضِحٌ لِأَنَّ النِّعْمَةَ لَا تَزُولُ عَنْهُ بِحَسَدِكَ، بَلْ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ مِنْ إِقْبَالٍ وَنِعْمَةٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَدُومَ إِلَى أَجَلٍ قَدَّرَهُ الله، فإن كان كُلَّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ وَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، وَمَهْمَا لَمْ تَزُلِ النِّعْمَةُ بِالْحَسَدِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَحْسُودِ ضَرَرٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا عَلَيْهِ إِثْمٌ فِي الْآخِرَةِ، وَلَعَلَّكَ تَقُولُ: لَيْتَ النِّعْمَةَ كَانَتْ لِي وَتَزُولُ عَنِ الْمَحْسُودِ بِحَسَدِي وَهَذَا غَايَةُ الْجَهْلِ فَإِنَّهُ بَلَاءٌ تَشْتَهِيهِ أَوَّلًا لِنَفْسِكَ فإنك أيضاً لا تخلوا عَنْ عَدُوٍّ يَحْسُدُكَ، فَلَوْ زَالَتِ النِّعْمَةُ بِالْحَسَدِ لَمْ يَبْقَ لِلَّهِ عَلَيْكَ نِعْمَةٌ لَا فِي الدِّينِ وَلَا فِي الدُّنْيَا، وَإِنِ اشْتَهَيْتَ أَنْ تَزُولَ النِّعْمَةُ عَنِ الْخَلْقِ بِحَسَدِكَ وَلَا تَزُولَ عَنْكَ بِحَسَدِ غَيْرِكَ فَهَذَا أَيْضًا جَهْلٌ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ حَمْقَى الْحُسَّادِ يَشْتَهِي أَنْ يَخْتَصَّ بِهَذِهِ الْخَاصِّيَّةِ، وَلَسْتَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنَ الْغَيْرِ، فَنِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ فِي أَنْ لَمْ يُزِلِ النِّعْمَةَ بِالْحَسَدِ/ مِمَّا يَجِبُ شُكْرُهَا عَلَيْكَ وَأَنْتَ بِجَهْلِكَ تَكْرَهُهَا. وَأَمَّا أَنَّ الْمَحْسُودَ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَوَاضِحٌ، أَمَّا مَنْفَعَتُهُ فِي الدِّينِ فَهُوَ أَنَّهُ مَظْلُومٌ مِنْ جِهَتِكَ لَا سِيَّمَا إِذَا أَخْرَجْتَ الْحَسَدَ إِلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ بِالْغِيبَةِ وَالْقَدْحِ فِيهِ وَهَتْكِ سِتْرِهِ وَذِكْرِ مَسَاوِئِهِ، فَهِيَ هَدَايَا يُهْدِيهَا اللَّهُ إِلَيْهِ، أَعْنِي أَنَّكَ تُهْدِي إِلَيْهِ حَسَنَاتِكَ فَإِنَّكَ كُلَّمَا ذَكَرْتَهُ بِسُوءٍ نَقَلَ إِلَى دِيوَانِهِ حَسَنَاتِكَ وَازْدَادَتْ سَيِّئَاتُكَ، فَكَأَنَّكَ اشْتَهَيْتَ زَوَالَ نِعَمِ اللَّهِ عَنْهُ إِلَيْكَ فَأُزِيلَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَنْكَ إِلَيْهِ، وَلَمْ تَزَلْ فِي كُلِّ حِينٍ وَأَوَانٍ تَزْدَادُ شَقَاوَةً، وَأَمَّا مَنْفَعَتُهُ فِي الدُّنْيَا فَمِنْ وُجُوهٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ أَهَمَّ أَغْرَاضِ الْخَلْقِ مَسَاءَةُ الْأَعْدَاءِ وَكَوْنُهُمْ مَغْمُومِينَ مُعَذَّبِينَ وَلَا عَذَابَ أَعْظَمُ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ مِنْ أَلَمِ الْحَسَدِ، بَلِ الْعَاقِلُ لَا يَشْتَهِي مَوْتَ عَدُوِّهِ بَلْ يُرِيدُ طُولَ حَيَاتِهِ لِيَكُونَ فِي عَذَابِ الْحَسَدِ لِيَنْظُرَ فِي كُلِّ حِينٍ وَأَوَانٍ إِلَى نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ فَيَتَقَطَّعَ قَلْبُهُ بِذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قِيلَ:

لَا مَاتَ أَعْدَاؤُكَ بَلْ خُلِّدُوا ... حَتَّى يَرَوْا مِنْكَ الَّذِي يُكْمِدُ

لَا زِلْتَ مَحْسُودًا عَلَى نِعْمَةٍ ... فَإِنَّمَا الْكَامِلُ مَنْ يُحْسَدُ

الثَّانِي: أَنَّ النَّاسَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَحْسُودَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ ذَا نِعْمَةٍ فَيَسْتَدِلُّونَ بِحَسَدِ الْحَاسِدِ عَلَى كَوْنِهِ مَخْصُوصًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِأَنْوَاعِ الْفَضَائِلِ وَالْمَنَاقِبِ، وَأَعْظَمُ الْفَضَائِلِ مِمَّا لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ وَهُوَ الَّذِي يُورِثُ الْحَسَدَ فَصَارَ الْحَسَدُ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى اتِّصَافِ الْمَحْسُودِ بِأَنْوَاعِ الْفَضَائِلِ وَالْمَنَاقِبِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْحَاسِدَ يَصِيرُ مَذْمُومًا بَيْنَ الْخَلْقِ مَلْعُونًا عِنْدَ الْخَالِقِ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَقَاصِدِ لِلْمَحْسُودِ. الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنَّهُ سَبَبٌ لِازْدِيَادِ مَسَرَّةِ إِبْلِيسَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَاسِدَ لَمَّا خَلَا عَنِ الْفَضَائِلِ الَّتِي اخْتَصَّ الْمَحْسُودُ بِهَا فَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ اسْتَوْجَبَ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ فَخَافَ إِبْلِيسُ مِنْ أَنْ يَرْضَى بِذَلِكَ فَيَصِيرَ مُسْتَوْجِبًا لِذَلِكَ الثَّوَابِ، فَلَمَّا لَمْ يَرْضَ بِهِ بَلْ أَظْهَرَ الْحَسَدَ فَاتَهُ ذَلِكَ الثَّوَابُ وَاسْتَوْجَبَ الْعِقَابَ فَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِفَرَحِ إِبْلِيسَ وَغَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى. الْخَامِسُ: أَنَّكَ عَسَاكَ تَحْسُدُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَتُحِبُّ أَنْ يُخْطِئَ فِي دِينِ اللَّهِ وَتَكْشِفَ خَطَأَهُ لِيُفْتَضَحَ وَتُحِبُّ أَنْ يُخْرَسَ لِسَانُهُ حَتَّى لَا يَتَكَلَّمَ