للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: الظَّاهِرُ يَقْتَضِي حُرْمَةَ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ إِلَّا أَنَّهُمَا خُصَّا بِالْخَبَرِ

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْجَرَادُ وَالنُّونُ/ وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالطِّحَالُ وَالْكَبِدُ»

وَعَنْ جَابِرٍ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ: أَنَّ الْبَحْرَ أَلْقَى إِلَيْهِمْ حُوتًا فَأَكَلُوا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَلَمَّا رَجَعُوا أَخْبَرُوا النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِذَلِكَ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْهُ شَيْءٍ تُطْعِمُونِي،

وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي صِفَةِ الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ

ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ عَنِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: حِلُّ السَّمَكِ،

وَاخْتَلَفُوا فِي السَّمَكِ الطَّافِي وَهُوَ الَّذِي يَمُوتُ فِي الْمَاءِ حَتْفَ أَنْفِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ إِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

فَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا طَفَا مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَلَا نَأْكُلُهُ، وَهَذَا أَيْضًا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه،

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبِي أَيُّوبَ إِبَاحَتُهُ، وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةً

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسلام قال: «ما ألقى البحر أو جرد عَنْهُ فَكُلُوهُ، وَمَا مَاتَ فِيهِ وَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ»

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدِ احْتَجَّ بِالْآيَةِ وَالْخَبَرِ وَالْمَعْقُولِ، أَمَّا الْآيَةُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ [الْمَائِدَةِ: ٩٦] وَهَذَا السَّمَكُ الطَّافِي مِنْ طَعَامِ الْبَحْرِ فَوَجَبَ حِلُّهُ، وَأَمَّا الْخَبَرُ

فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أحلت لنا ميتتان السم وَالْجَرَادُ»

وَهَذَا مُطْلَقٌ،

وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»

وَهَذَا عَامٌّ

وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «كُلُّ مَا طَفَا عَلَى الْبَحْرِ» .

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْجَرَادِ كُلِّهِ مَا أَخَذْتَهُ وَمَا وَجَدْتَهُ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَا وُجِدَ مَيِّتًا لَا يَحِلُّ، وَأَمَّا مَا أُخِذَ حَيًّا ثُمَّ قُطِعَ رَأْسُهُ وَشُوِيَ أُكِلَ، وَمَا أُخِذَ حَيًّا فَغُفِلَ عَنْهُ حَتَّى يَمُوتَ لَمْ يُؤْكَلْ حُجَّةُ مَالِكٍ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ

قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ»

فَوَجَبَ حَمْلُهُمَا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ قَطْعَ رَأْسِهِ إِنْ جُعِلَ لَهُ ذَكَاةً فَهُوَ كَالشَّاةِ الْمُذَكَّاةِ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَيْتَةً، فَلَا يَكُونُ

لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ»

فَائِدَةٌ وَقَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أَوْفَى:

غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ وَلَا نَأْكُلُ غَيْرَهُ، فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَيْتَةٍ وَبَيْنَ مَقْتُولَةٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: اخْتَلَفُوا فِي الْجَنِينِ إِذَا خَرَجَ مَيِّتًا بَعْدَ ذَبْحِ الْأُمِّ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، لَا يُؤْكَلُ إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا فَيُذْبَحَ، وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ:

إِنَّهُ يُؤْكَلُ وَهَذَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ،

وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ أُكِلَ، وَإِلَّا لَمْ يُؤْكَلْ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ أَنَّهُ مَيْتَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يحرم، قال الشافعي، خصص هَذَا الْعُمُومَ بِالْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ، أَمَّا الْخَبَرُ فَهُوَ أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُذَكَّى مُبَاحٌ وَهَذَا مذكى، لما

روى عن أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو أَيُّوبَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: / «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ»

وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ كَوْنَ الذَّكَاةِ سَبَبًا لِلْإِبَاحَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَجَازَ أَنْ تَكُونَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ حَاصِلَةً شَرْعًا بِتَحْصِيلِ ذَكَاةِ أُمِّهِ، أَجَابَ الْحَنَفِيُّونَ بِأَنَّ قَوْلَهُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ، يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إِيجَابَ تَذْكِيَتِهِ كَمَا تُذَكَّى أُمُّهُ، وَأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ [آل عمران: ١٣٣] ومعناه كعرض السموات والأرض، كقول الْقَائِلِ: قَوْلِي قَوْلُكَ، وَمَذْهَبِي مَذْهَبُكَ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: قَوْلِي كَقَوْلِكَ، وَمَذْهَبِي كَمَذْهَبِكَ، وَقَالَ الشَّاعِرُ: