للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأَقْرَبِينَ مَنْ عَدَا الْوَالِدَيْنِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ جَمِيعُ الْقَرَابَاتِ مَنْ يَرِثُ مِنْهُمْ وَمَنْ لَا يَرِثُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ الْوَصِيَّةَ لِلْقَرَابَةِ، ثُمَّ رَآهَا مَنْسُوخَةً.

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: هُمْ مَنْ لَا يَرِثُونَ مِنَ الرَّجُلِ مِنْ أَقَارِبِهِ، فَأَمَّا الْوَارِثُونَ فَهُمْ خَارِجُونَ عَنِ اللَّفْظِ، أَمَّا قَوْلُهُ: بِالْمَعْرُوفِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يُوصِي بِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ تَمْيِيزَ مَنْ يُوصَى لَهُ مِنَ الْأَقْرَبِينَ مِمَّنْ لَا يُوصَى، لِأَنَّ كِلَا الْوَجْهَيْنِ يَدْخُلُ فِي الْمَعْرُوفِ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ يَسْلُكَ الطَّرِيقَ الْجَمِيلَةَ، فَإِذَا فَاضَلَ بَيْنَهُمْ، فَبِالْمَعْرُوفِ وَإِذَا سَوَّى فَكَمِثْلٍ، وَإِذَا حَرَمَ الْبَعْضَ فَكَمِثْلٍ لِأَنَّهُ لَوْ حَرَمَ الْفَقِيرَ وَأَوْصَى لِلْغَنِيِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْرُوفًا، وَلَوْ سَوَّى بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ مَعَ عِظَمِ حَقِّهِمَا وَبَيْنَ بَنِي الْعَمِّ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا، وَلَوْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ الْجَدِّ الْبَعِيدِ مَعَ حُضُورِ الْإِخْوَةِ لَمْ يَكُنْ مَا يَأْتِيهِ مَعْرُوفًا فَاللَّهُ تَعَالَى كَلَفَّهُ الْوَصِيَّةَ عَلَى طَرِيقَةٍ جَمِيلَةٍ خَالِيَةٍ عَنْ شَوَائِبِ الْإِيحَاشِ وَذَلِكَ مِنْ بَابِ مَا يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لَمْ يَشْتَرِطْ تَعَالَى فِيهِ هَذَا الشَّرْطَ، الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَزِيَادَةٌ فِي تَوْكِيدِ وُجُوبِهِ، فَقَوْلُهُ: حَقًّا مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ، أَيْ حَقَّ ذَلِكَ حَقًّا، فَإِنْ قِيلَ: ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ هَذَا التَّكْلِيفِ بِالْمُتَّقِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ.

فَالْجَوَابُ: مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ أَنَّهُ لَازِمٌ لِمَنْ آثَرَ التَّقْوَى، وَتَحَرَّاهُ وَجَعَلَهُ طَرِيقَةً لَهُ وَمَذْهَبًا فَيَدْخُلُ الْكُلُّ فِيهِ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَقْتَضِي وُجُوبَ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى الْمُتَّقِينَ وَالْإِجْمَاعُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَاتِ وَالتَّكَالِيفَ عَامَّةٌ فِي حَقِّ الْمُتَّقِينَ وَغَيْرِهِمْ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ يَدْخُلُ الْكُلُّ تَحْتَ هَذَا التَّكْلِيفِ فَهَذَا جملة ما يتعلق بتفسير هذه الآية.

[البحث حول أدلة الْقَائِلُونَ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَا صَارَتْ مَنْسُوخَةً] وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَتْ وَاجِبَةً وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَتْ نَدْبًا وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِقَوْلِهِ: كُتِبَ وَبِقَوْلِهِ: عَلَيْكُمْ وَكِلَا اللَّفْظَيْنِ يُنْبِئُ عَنِ الْوُجُوبِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَكَّدَ ذَلِكَ الْإِيجَابَ بِقَوْلِهِ: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ وَهَؤُلَاءِ اخْتَلَفُوا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْآيَةُ صَارَتْ مَنْسُوخَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهَا مَا صَارَتْ مَنْسُوخَةً، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ، وَتَقْرِيرُ قَوْلِهِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَا هِيَ مُخَالِفَةً لِآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَمَعْنَاهَا كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا أَوْصَى بِهِ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ تَوْرِيثِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:

يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء: ١١] أو كتب على المختصر أَنْ يُوصِيَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِتَوْفِيرِ مَا أَوْصَى بِهِ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِمْ وَأَنْ لَا يَنْقُصَ مِنْ أَنْصِبَائِهِمْ وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ثُبُوتِ الْمِيرَاثِ لِلْأَقْرِبَاءِ مَعَ ثُبُوتِ الْوَصِيَّةِ بِالْمِيرَاثِ عَطِيَّةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْوَصِيَّةُ عَطِيَّةٌ مِمَّنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَالْوَارِثُ جُمِعَ لَهُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ بِحُكْمِ الْآيَتَيْنِ وَثَالِثُهَا: لَوْ قَدَّرْنَا حُصُولَ الْمُنَافَاةِ لَكَانَ يُمْكِنُ جَعْلُ آيَةِ الْمِيرَاثِ مُخَصِّصَةً لِهَذِهِ الْآيَةِ وَذَلِكَ لَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُوجِبُ الْوَصِيَّةَ لِلْأَقْرَبِينَ، ثُمَّ آيَةُ الْمِيرَاثِ تُخْرِجُ الْقَرِيبَ الْوَارِثَ وَيَبْقَى الْقَرِيبُ الَّذِي لَا يَكُونُ وَارِثًا دَاخِلًا تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مِنَ الْوَالِدَيْنِ مَنْ يَرِثُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرِثُ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الدِّينِ وَالرِّقِّ وَالْقَتْلِ وَمِنَ الْأَقَارِبِ الَّذِينَ لَا يَسْقُطُونَ فِي فَرِيضَةِ مَنْ لا يرث بهذه الأسباب الحاجة وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْقُطُ/ فِي حَالٍ وَيَثْبُتُ فِي حَالٍ، إِذَا كَانَ فِي الْوَاقِعَةِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْقُطُ فِي كُلِّ حَالٍ إِذَا