للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْفَرْعُ الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا أَفْطَرَ كَيْفَ يَقْضِي؟ فَمَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهُ يَقْضِيهِ مُتَتَابِعًا وَقَالَ الْبَاقُونَ:

التَّتَابُعُ مُسْتَحَبٌّ وَإِنْ فَرَّقَ جَازَ حُجَّةُ الْأَوَّلِينَ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ قِرَاءَةَ أُبَيٍّ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَضَاءَ نَظِيرُ الْأَدَاءِ فَلَمَّا كَانَ الْأَدَاءُ مُتَتَابِعًا، فَكَذَا الْقَضَاءُ.

حُجَّةُ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّ قَوْلَهُ: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَمْرًا بِصَوْمِ أَيَّامٍ عَلَى عَدَدِ تِلْكَ الْأَيَّامِ مُطْلَقًا، فَيَكُونُ التَّقْيِيدُ بِالتَّتَابُعِ مُخَالِفًا لِهَذَا التَّعْمِيمِ، وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرَخِّصْ لَكُمْ فِي فِطْرِهِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَلَيْكُمْ فِي قَضَائِهِ، إِنْ شِئْتَ فَوَاتِرْ وَإِنْ شِئْتَ فَفَرِّقْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ أَفَيَجْزِينِي أَنْ أَقْضِيَهَا مُتَفَرِّقًا فَقَالَ لَهُ: «أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ أَمَا كَانَ يَجْزِيكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يَعْفُوَ وَيَصْفَحَ» .

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: أُخَرَ لَا يَنْصَرِفُ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ سَبَبَانِ الْجَمْعُ وَالْعَدْلُ أَمَّا الْجَمْعُ فَلِأَنَّهَا جَمْعُ أُخْرَى، وَأَمَّا الْعَدْلُ فَلِأَنَّهَا جَمْعُ أُخْرَى، وَأُخْرَى تَأْنِيثُ آخَرَ، وَآخَرُ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ، وَمَا كَانَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ مَعَ «مِنْ» أَوْ مَعَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، يُقَالُ: زِيدٌ أَفْضَلُ مِنْ عَمْرٍو وَزَيْدٌ الْأَفْضَلُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ رَجُلٌ آخَرُ من زيد كما تقول قدم أمن عَمْرٍو، إِلَّا أَنَّهُمْ حَذَفُوا لَفْظَ «مِنْ» لِأَنَّ لَفْظَهُ اقْتَضَى مَعْنَى «مِنْ» فَأَسْقَطُوا «مِنْ» اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ مُنَافِيَانِ «مِنْ» فَلَمَّا جَازَ اسْتِعْمَالُهُ بِغَيْرِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ صَارَ أُخَرُ وَآخَرُ وَأُخْرَى مَعْدُولَةً عَنْ حُكْمِ نَظَائِرِهَا، لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ اسْتُعْمِلَتَا فِيهَا ثُمَّ حَذَفَ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ يُطِيقُونَهُ وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَعَطَاءٌ يُطِيقُونَهُ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: هَذِهِ الْقِرَاءَةُ مَرْوِيَّةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ قَالَ: / ابْنُ جِنِّي: أَمَّا عَيْنُ الطَّاقَةِ فَوَاوٌ كَقَوْلِهِمْ: لَا طَاقَةَ لِي بِهِ وَلَا طَوْقَ لِي به وعليه قراءة (يطوقونه) فهو يَفْعَلُونَهُ فَهُوَ كَقَوْلِكَ: يُجَشَّمُونَهُ.

أَيْ يُكَلَّفُونَهُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا رَاجَعٌ إِلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ قَدْ يَكُونُ مِنْهُمَا مَنْ لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ وَمِنْهُمَا مَنْ يُطِيقُ الصَّوْمَ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ حُكْمَهُ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ اللَّذَانِ يُطِيقَانِ الصَّوْمَ، فَإِلَيْهِمَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمُسَافِرِ حَالَتَيْنِ فِي إِحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ أَنْ يُفْطِرَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهِيَ حَالُ الْجُهْدِ الشَّدِيدِ لَوْ صَامَ وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مُطِيقًا لِلصَّوْمِ لَا يَثْقُلُ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَصُومَ وَبَيْنَ أَنْ يُفْطِرَ مَعَ الْفِدْيَةِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ الْمُقِيمُ الصَّحِيحُ فَخَيَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوَّلًا بَيْنَ هَذَيْنِ، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ وَأَوْجَبَ الصَّوْمَ عَلَيْهِ مُضَيِّقًا مُعَيِّنًا.