للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بشرط دخول ما قبله فيه والأمر هاهنا كَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الصَّوْمَ عَلَى سَبِيلِ السُّهُولَةِ وَالْيُسْرِ فَإِنَّهُ مَا أَوْجَبَهُ إِلَّا فِي مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ مِنَ السَّنَةِ ثُمَّ ذَلِكَ الْقَلِيلُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى الْمَرِيضِ وَلَا عَلَى الْمُسَافِرِ وَكُلُّ ذَلِكَ رِعَايَةً لِمَعْنَى الْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ وهاهنا مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْيُسْرُ فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهُ السُّهُولَةُ وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْغِنَى وَالسَّعَةِ الْيَسَارُ لِأَنَّهُ يَسْهُلُ بِهِ الْأُمُورُ وَالْيَدُ الْيُسْرَى قِيلَ تَلِي الْفِعَالَ بِالْيُسْرِ، وَقِيلَ إِنَّهُ يَتَسَهَّلُ الْأَمْرُ بِمَعُونَتِهَا الْيُمْنَى.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُعْتَزِلَةُ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي أَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ، قَالُوا لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِمْ مَا تَيَسَّرَ دُونَ مَا تَعَسَّرَ فَكَيْفَ يُكَلِّفُهُمْ مَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْيُسْرَ وَالْعُسْرَ لَا يُفِيدَانِ الْعُمُومَ لِمَا ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُفْرَدَ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ، وَأَيْضًا فَلَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنَّهُ قَدْ يَنْصَرِفُ إِلَى الْمَعْهُودِ السَّابِقِ فَنَصْرِفُهُ إِلَى الْمَعْهُودِ السَّابِقِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْمُعْتَزِلَةُ تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إِثْبَاتِ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنَ الْعَبْدِ مَا لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى الصَّوْمِ حَتَّى أَجْهَدَهُ، لَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَعَلَ مَا لَا يُرِيدُهُ الله منه إذا كَانَ لَا يُرِيدُ الْعُسْرَ الْجَوَابُ: يَحْتَمِلُ اللَّفْظُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُرِيدُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِمَا فِيهِ عُسْرٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُرِيدُ مِنْهُ الْعُسْرَ وَذَلِكَ لِأَنَّ عِنْدَنَا الْأَمْرَ قَدْ يَثْبُتُ بِدُونِ الْإِرَادَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالُوا: هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ فَلَوْ أَرَادَ بِهِمْ أَنْ يَكْفُرُوا فَيَصِيرُوا إِلَى النَّارِ، وَخَلَقَ فِيهِمْ ذَلِكَ الْكُفْرَ لَمْ يَكُنْ لَائِقًا بِهِ أَنْ يَقُولَ: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ/ بِكُمُ الْعُسْرَ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْعِلْمِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ فَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَهُمَا لُغَتَانِ:

أَكْمَلْتُ وَكَمَّلْتُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ عَلَى مَاذَا عَلَّقَ؟

جَوَابُنَا: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ الْمُعَلِّلَ مَحْذُوفٌ، ثُمَّ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: مَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَهُوَ أَنَّ التَّقْدِيرَ:

وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، فِعْلُ جُمْلَةِ لما ذُكِرَ وَهُوَ الْأَمْرُ بِصَوْمِ الْعِدَّةِ، وَتَعْلِيمُ كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ، وَالرُّخْصَةُ فِي إِبَاحَةِ الْفِطْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ ذَكَرَ عَقِيبَهَا أَلْفَاظًا ثَلَاثَةً، فَقَوْلُهُ: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ عِلَّةٌ لِلْأَمْرِ بِمُرَاعَاةِ الْعِدَّةِ وَلِتُكَبِّرُوا عِلَّةُ مَا عَلِمْتُمْ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ عِلَّةُ التَّرَخُّصِ وَالتَّسْهِيلِ، وَنَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَذْفِ الْفِعْلِ الْمُنَبِّهِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الْأَنْعَامِ: ٧٥] أَيْ أَرَيْنَاهُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: مَا قَالَهُ الزَّجَّاجُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنَ التَّكْلِيفِ عَلَى الْمُقِيمِ صَحِيحٌ وَالرُّخْصَةُ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ إِنَّمَا هُوَ إِكْمَالُ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ مَعَ الطَّاقَةِ يَسْهُلُ عَلَيْهِ إِكْمَالُ الْعِدَّةِ، وَمَعَ الرُّخْصَةِ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ يَسْهُلُ إِكْمَالُ الْعِدَّةِ بِالْقَضَاءِ، فَلَا يَكُونُ عُسْرًا، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ كَلَّفَ الْكُلَّ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ إِكْمَالُ الْعِدَّةِ عَسِيرًا،