بَلْ يَكُونُ سَهْلًا يَسِيرًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ إِضْمَارًا وَقْعَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَفِي الثَّانِي قَبْلَهُ:
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِنَّمَا قَالَ: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلَمْ يَقُلْ: وَلِتُكْمِلُوا الشَّهْرَ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ دَخَلَ تَحْتَهُ عِدَّةُ أَيَّامِ الشَّهْرِ وَأَيَّامِ الْقَضَاءِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِمَا جَمِيعًا وَلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْقَضَاءِ مَثَلًا لِعَدَدِ الْمَقْضِيِّ، وَلَوْ قَالَ تَعَالَى: وَلِتُكْمِلُوا الشَّهْرَ لَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ الْأَدَاءِ فَقَطْ وَلَمْ يَدْخُلْ حُكْمُ الْقَضَاءِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ فَفِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ التَّكْبِيرُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِذَا رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ أَنْ يُكَبِّرُوا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ إِظْهَارَ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُكْرَهُ ذَلِكَ غَدَاةَ الْفِطْرِ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَقَالَ: مَعْنَاهُ وَلِتُكْمِلُوا عِدَّةَ شَهْرِ رَمَضَانَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عِنْدَ انْقِضَائِهِ عَلَى مَا هَدَاكُمْ إِلَى هَذِهِ الطَّاعَةِ، ثُمَّ يَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إِحْدَاهَا: اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي أَنَّ أَيَّ الْعِيدَيْنِ أَوْكَدُ فِي التَّكْبِيرِ؟ فَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: لَيْلَةُ النَّحْرِ أَوْكَدُ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَيْهَا، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ:
لَيْلَةُ الْفِطْرِ أَوْكَدُ لِوُرُودِ النَّصِّ/ فِيهَا وَثَانِيهَا: أَنَّ وَقْتَ التَّكْبِيرِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُكَبَّرُ فِي لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَلَكِنَّهُ يُكَبَّرُ فِي يَوْمِهِ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا غَدَا إِلَى الْمُصَلَّى حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ وَقَعَ مُعَلَّلًا بِحُصُولِ هَذِهِ الْهِدَايَةِ، لَكِنْ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ تَحْصُلُ هَذِهِ الْهِدَايَةُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَثَالِثُهَا: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ وَقْتَ هَذَا التَّكْبِيرِ مُمْتَدٌّ إِلَى أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ بِالصَّلَاةِ، وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا: إِلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ وَالثَّانِي: إِلَى انْصِرَافِ الْإِمَامِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا بَلَغَ إِلَى أَدْنَى الْمُصَلَّى تَرَكَ التَّكْبِيرَ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ التَّعْظِيمُ لِلَّهِ شُكْرًا عَلَى مَا وُفِّقَ عَلَى هَذِهِ الطَّاعَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ تَمَامَ هَذَا التَّكْبِيرِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ والاعتقاد والعمل أما القول: فالإقرار بصفاته العلي، وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَتَنْزِيهُهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ نِدٍّ وَصَاحِبَةٍ وَوَلَدٍ وَشَبَهٍ بِالْخَلْقِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ صِحَّةِ الِاعْتِقَادِ بِالْقَلْبِ وَأَمَّا الْعَمَلُ: فَالتَّعَبُّدُ بِالطَّاعَاتِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَكْبِيرَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذَا التَّفْسِيرِ وَاجِبٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَمَعَ كُلِّ الطَّاعَاتِ فَتَخْصِيصُ هَذِهِ الطَّاعَةِ بِهَذَا التَّكْبِيرِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّكْبِيرُ لَهُ خُصُوصِيَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى التَّكْبِيرِ الْوَاجِبِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: عَلى مَا هَداكُمْ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْإِنْعَامَ الْعَظِيمَ فِي الدُّنْيَا بِالْأَدِلَّةِ وَالتَّعْرِيفَ وَالتَّوْفِيقَ وَالْعِصْمَةَ، وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا بِخَلْقِ الطَّاعَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فَفِيهِ بَحْثَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ كَلِمَةَ «لَعَلَّ» لِلتَّرَجِّي، وَالتَّرَجِّي لَا يَجُوزُ فِي حَقِّ اللَّهِ وَالثَّانِي: الْبَحْثُ عَنْ حَقِيقَةِ الشُّكْرِ، وَهَذَانَ بحثان قد مر تقريرهما.
بقي هاهنا بَحْثٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ مَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ هَذَا اللَّفْظِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَنَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِأَنْ يَعْلَمَ الْعَبْدُ جَلَالَ الله وكبريائه وَعِزَّتَهُ وَعَظَمَتَهُ، وَكَوْنَهُ أَكْبَرَ مِنْ أَنْ تَصِلَ إليه عقول
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute