للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُرِئَ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ أَيْ أَحَلَّ اللَّهُ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ الرُّفُوثُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: لَيْلَةَ الصِّيَامِ أَرَادَ لَيَالِيَ الصِّيَامِ فَوَقَعَ الْوَاحِدُ مَوْقِعَ الْجَمَاعَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ:

فَقُلْنَا أَسْلِمُوا إِنَّا أَخُوكُمْ ... فَقَدْ بَرِئَتْ مِنَ الْإِحَنِ الصُّدُورُ

وَأَقُولُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ لَيْلَةَ الصِّيامِ لَيْلَةً وَاحِدَةً بَلِ الْمُرَادُ الْإِشَارَةُ إِلَى اللَّيْلَةِ الْمُضَافَةِ إِلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ اللَّيْثُ: الرَّفَثُ أَصْلُهُ قَوْلُ الْفُحْشِ، وَأَنْشَدَ الزَّجَّاجُ:

ورب أسراب حجيج كقلم ... عَنِ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ

يُقَالُ رَفَثَ فِي كَلَامِهِ يَرْفُثُ وَأَرْفَثَ إِذَا تَكَلَّمَ بِالْقَبِيحِ قَالَ تَعَالَى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ [الْبَقَرَةِ: ١٩٧] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَنْشَدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ:

وَهُنَّ يمشين بنا هميسا ... أن يصدق الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسًا

فَقِيلَ لَهُ: أَتَرْفُثُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا الرَّفَثُ مَا كَانَ عِنْدَ النِّسَاءِ فَثَبَتَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الرَّفَثِ هُوَ قَوْلُ الْفُحْشِ ثُمَّ جُعِلَ ذَلِكَ اسْمًا لِمَا يُتَكَلَّمُ بِهِ عِنْدَ النِّسَاءِ مِنْ مَعَانِيَ الْإِفْضَاءِ، ثُمَّ جُعِلَ كِنَايَةً عَنِ الْجِمَاعِ وَعَنْ كُلِّ مَا يَتْبَعُهُ.

فإن قيل: لم كنى هاهنا عَنِ الْجِمَاعِ بِلَفْظِ الرَّفَثِ الدَّالِّ عَلَى مَعْنَى الْقُبْحِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ [النِّسَاءِ: ٢١] فَلَمَّا تَغَشَّاها [الْأَعْرَافِ: ١٨٩] أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ [النساء: ٤٣] دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء: ٢٣] فَأْتُوا حَرْثَكُمْ [البقرة: ٢٢٣] مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الْبَقَرَةِ: ٢٣٦] فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ [النِّسَاءِ: ٢٤] وَلا تَقْرَبُوهُنَّ [الْبَقَرَةِ: ٢٢٢] .

جَوَابُهُ: السَّبَبُ فِيهِ اسْتِهْجَانُ مَا وُجِدَ مِنْهُمْ قَبْلَ الإباحة كَمَا سَمَّاهُ اخْتِيَانًا لِأَنْفُسِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَالَ الْأَخْفَشُ: إِنَّمَا عَدَّى الرَّفَثَ بِإِلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْإِفْضَاءِ فِي قَوْلِهِ: وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ [النِّسَاءِ: ٢١] .

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ يَقْتَضِي حُصُولَ الْحِلِّ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ لِأَنَّ «لَيْلَةَ» نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ اللَّيْلُ ظَرْفًا لِلرَّفَثِ لَوْ كَانَ اللَّيْلُ كُلُّهُ مَشْغُولًا بِالرَّفَثِ، وَإِلَّا لكان ظرف ذلك الرفث بعض الليل لأكله، فَعَلَى هَذَا النَّسْخُ حَصَلَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَمَّا الذي بعده من قَوْلِهِ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ فَذَاكَ يَكُونُ كَالتَّأْكِيدِ لِهَذَا النَّسْخِ، وَأَمَّا الَّذِي يَقُولُ: إِنَّ قَوْلَهُ:

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ يُفِيدُ حِلَّ الرَّفَثِ فِي اللَّيْلِ، فَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَقْتَضِي حُصُولَ النَّسْخِ بِهِ فَيَكُونُ النَّاسِخُ هُوَ قَوْلُهُ: كُلُوا وَاشْرَبُوا.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ فَفِيهِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَشْبِيهِ الزَّوْجَيْنِ بِاللِّبَاسِ وُجُوهًا أَحُدُهَا: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ يَعْتَنِقَانِ،