للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحُكْمِ كَأَنَّهُ الْأَصْلُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ فِي وَقْتٍ لَوْ وَجَدَ الْأَصْلَ لَمْ يَجُزْ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ

لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَلَا تَصُومُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ»

وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ حَيْثُ يَكُونُ يَوْمَ عَرَفَةَ مُفْطِرًا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ مِنَ الرُّجُوعِ فِي قَوْلِهِ: إِذا رَجَعْتُمْ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي «الْجَدِيدِ» : هُوَ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْمُرَادُ مِنَ الرُّجُوعِ الْفَرَاغُ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَالْأَخْذُ فِي الرُّجُوعِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إِذَا صَامَ الْأَيَّامَ السَّبْعَةَ بَعْدَ الرُّجُوعِ عَنِ الْحَجِّ، وَقَبْلَ الْوَصِيَّةِ إِلَى بَيْتِهِ، لَا يُجْزِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيُجْزِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ:

إِذا رَجَعْتُمْ مَعْنَاهُ إِلَى الْوَطَنِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الرُّجُوعَ إِلَى الْوَطَنِ شَرْطًا وَمَا لَمْ يُوجَدِ الشَّرْطُ لَمْ يُوجَدِ الْمَشْرُوطُ وَالرُّجُوعُ إِلَى الْوَطَنِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ الِانْتِهَاءِ إِلَى الْوَطَنِ فَقَبْلَهُ لَمْ يُوجَدِ الشَّرْطُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُوجَدَ الْمَشْرُوطُ وَيَتَأَكَّدُ مَا قُلْنَا بِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَى الْوَطَنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ الثَّانِي: مَا

رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوا إِهَلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ» فَطُفْنَا/ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَلَمَّا فَرَغْنَا قَالَ: «عَلَيْكُمُ الْهَدْيَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَصِيَامُ ثَلَاثَةٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى أَمْصَارِكُمْ»

الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَسْقَطَ الصَّوْمَ عَنِ الْمُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ. فَصَوْمُ التَّمَتُّعِ أَخَفُّ شَأْنًا مِنْهُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ سَبْعَةٍ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، كَقَوْلِهِ: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً [الْبَلَدِ: ١٤، ١٥] أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ فَقَدْ طَعَنَ الْمُلْحِدُونَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَعْلُومَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَالسَّبْعَةَ عَشَرَةٌ فَذِكْرُهُ يَكُونُ إِيضَاحًا لِلْوَاضِحِ وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: كامِلَةٌ يُوهِمُ وُجُودَ عَشَرَةٍ غَيْرِ كَامِلَةٍ فِي كَوْنِهَا عَشَرَةً وَذَلِكَ مُحَالٌ، وَالْعُلَمَاءُ ذَكَرُوا أَنْوَاعًا مِنَ الْفَوَائِدِ فِي هَذَا الْكَلَامِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ لَيْسَ نَصًّا قَاطِعًا فِي الْجَمْعِ بَلْ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا فِي قَوْلِهِ: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ [النِّسَاءِ: ٣] وَكَمَا فِي قَوْلِهِمْ: جَالِسِ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ أَيْ جَالِسْ هَذَا أَوْ هَذَا، فَاللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ قَوْلَهُ:

عَشَرَةٌ كامِلَةٌ إِزَالَةً لِهَذَا الْوَهْمِ النَّوْعُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُعْتَادَ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ أَضْعَفَ حَالًا مِنَ المبدل كما في اليتيم مَعَ الْمَاءِ فَاللَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْبَدَلَ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ كَامِلٌ فِي كَوْنِهِ قَائِمًا مَقَامَ الْمُبْدَلِ لِيَكُونَ الْفَاقِدُ لِلْهَدْيِ الْمُتَحَمِّلُ لِكُلْفَةِ الصَّوْمِ سَاكِنَ النَّفْسِ إِلَى مَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ الْكَامِلِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَذِكْرُ الْعَشَرَةِ إِنَّمَا هُوَ لِصِحَّةِ التَّوَصُّلِ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ: كامِلَةٌ كَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: تِلْكَ كَامِلَةٌ، جَوَّزَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الثَّلَاثَةُ الْمُفْرَدَةُ عَنِ السَّبْعَةِ، أَوِ السَّبْعَةُ الْمُفْرَدَةُ عَنِ الثَّلَاثَةِ، فَلَا بُدَّ فِي هَذَا مِنْ ذِكْرِ الْعَشَرَةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: كامِلَةٌ يَحْتَمِلُ بَيَانَ الْكَمَالِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: أَنَّهَا كَامِلَةٌ فِي الْبَدَلِ عَنِ الْهَدْيِ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ وَثَانِيهَا: أَنَّهَا كَامِلَةٌ فِي أَنَّ ثَوَابَ صَاحِبِهِ كَامِلٌ مِثْلُ ثَوَابِ مَنْ يَأْتِي بِالْهَدْيِ مِنَ الْقَادِرِينَ عَلَيْهِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهَا كَامِلَةٌ فِي أَنَّ حَجَّ الْمُتَمَتِّعِ إِذَا أَتَى بِهَذَا الصِّيَامِ يَكُونُ كَامِلًا، مِثْلَ حَجِّ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا التَّمَتُّعِ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا قَالَ: أَوْجَبْتُ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ دَلِيلٌ يَقْتَضِي خُرُوجَ بَعْضِ هَذِهِ الْأَيَّامِ عَنْ هَذَا اللَّفْظِ، فَإِنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ كَثِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ، فَلَوْ قَالَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ