للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٌ إِذَا رَجَعْتُمْ، بَقِيَ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِحَسَبِ بَعْضِ الدَّلَائِلِ الْمُخَصَّصَةِ، فَإِذَا قَالَ بَعْدَهُ:

تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ فَهَذَا يَكُونُ تَنْصِيصًا عَلَى أَنَّ هَذَا الْمُخَصَّصَ لَمْ يُوجَدْ أَلْبَتَّةَ، فَتَكُونَ دَلَالَتُهُ أَقْوَى وَاحْتِمَالُهُ لِلتَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ أَبْعَدَ.

النَّوْعُ الرَّابِعُ: أَنَّ مَرَاتِبَ الْأَعْدَادِ أَرْبَعَةٌ: آحَادٌ، وَعَشَرَاتٌ، وَمِئِينَ، وَأُلُوفٌ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا أَوْ مَكْسُورًا، وَكَوْنُ الْعَشَرَةُ عَدَدًا مَوْصُوفًا بِالْكَمَالِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَمْرٌ يَحْتَاجُ إِلَى التَّعْرِيفِ، فَصَارَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: إِنَّمَا أَوْجَبْتُ هَذَا الْعَدَدَ لِكَوْنِهِ عَدَدًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ الْكَمَالِ خَالِيًا عَنِ الْكَسْرِ وَالتَّرْكِيبِ.

النَّوْعُ الخامس: ن التَّوْكِيدَ طَرِيقَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، كَقَوْلِهِ: وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الْحَجِّ: ٤٦] وَقَالَ: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الْأَنْعَامِ: ٣٨] وَالْفَائِدَةُ فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْعِبَارَاتِ الْكَثِيرَةِ وَيُعْرَفُ بِالصِّفَاتِ الْكَثِيرَةِ، أَبْعَدُ عَنِ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْعِبَارَةِ الواحدة، فالتعبير بالعبادات الْكَثِيرَةِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ مُشْتَمِلًا عَلَى مَصَالِحَ كَثِيرَةٍ وَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهَا، أَمَّا مَا عُبِّرَ عَنْهُ بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ مِنْهُ كَوْنُهُ مَصْلَحَةً مُهِمَّةً لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهَا، وَإِذَا كَانَ التَّوْكِيدُ مُشْتَمِلًا عَلَى هَذِهِ الْحِكْمَةِ كَانَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ رِعَايَةَ الْعَدَدِ فِي هَذَا الصَّوْمِ مِنَ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إِهْمَالُهَا أَلْبَتَّةَ.

النَّوْعُ السَّادِسُ: فِي بَيَانِ فَائِدَةِ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ مَعَ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُونُوا أَهْلَ حِسَابٍ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بَيَانًا قَاطِعًا لِلشَّكِّ وَالرَّيْبِ، وَهَذَا كَمَا

رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي الشَّهْرِ: هَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَأَشَارَ مَرَّةً أُخْرَى وَأَمْسَكَ إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ مُنَبِّهًا بِالْإِشَارَةِ الْأُولَى عَلَى ثَلَاثِينَ، وَبِالثَّانِيَةِ عَلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ.

النَّوْعُ السَّابِعُ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُزِيلُ الْإِبْهَامَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ تَصْحِيفِ الْخَطِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ سَبْعَةً وَتِسْعَةً مُتَشَابِهَتَانِ فِي الْخَطِّ، فَإِذَا قَالَ بَعْدَهُ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ زَالَ هَذَا الِاشْتِبَاهُ.

النَّوْعُ الثَّامِنُ: أَنَّ قَوْلَهُ: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ بَعْدَ الرُّجُوعِ أَنْ يُكْمِلَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، عَلَى أَنَّهُ يَحْسُبُ مِنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ تِلْكَ الثَّلَاثَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ، حَتَّى يَكُونَ الْبَاقِي عَلَيْهِ بَعْدُ مِنَ الْحَجِّ أَرْبَعَةً سِوَى تِلْكَ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ بَعْدَ الرُّجُوعِ سَبْعَةً سِوَى تِلْكَ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَهَذَا الْكَلَامُ مُحْتَمِلٌ لِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَإِذَا قَالَ بَعْدَهُ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ زَالَ هَذَا الْإِشْكَالُ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ بَعْدَ الرُّجُوعِ سَبْعَةٌ سِوَى الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

النَّوْعُ التَّاسِعُ: أَنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا لَكِنَّ الْمَعْنَى أَمْرٌ وَالتَّقْدِيرُ: فَلْتَكُنْ تِلْكَ الصِّيَامَاتُ صِيَامَاتٍ كَامِلَةً لِأَنَّ الْحَجَّ الْمَأْمُورَ بِهِ حَجٌّ تَامٌّ عَلَى مَا قَالَ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ وَهَذِهِ الصِّيَامَاتُ جُبْرَانَاتٌ لِلْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي ذَلِكَ الْحَجِّ، فَلْتَكُنْ هَذِهِ الصِّيَامَاتُ صِيَامَاتٍ كَامِلَةً حَتَّى يَكُونَ جَابِرًا لِلْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي ذَلِكَ الْحَجِّ، الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَامًّا كَامِلًا، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ هَذِهِ الصِّيَامَاتِ كَامِلَةً مَا ذَكَرْنَا فِي بَيَانِ كَوْنِ الْحَجِّ تَامًّا، وَإِنَّمَا عُدِلَ عَنْ لَفْظِ الْأَمْرِ إِلَى لَفْظِ الْخَبَرِ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِالشَّيْءِ إِذَا كَانَ مُتَأَكَّدًا جِدًّا فَالظَّاهِرُ دُخُولُ الْمُكَلَّفِ بِهِ فِي الْوُجُودِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِالْوُقُوعِ كِنَايَةً عَنْ تَأَكُّدِ الْأَمْرِ بِهِ، وَمُبَالَغَةِ الشَّرْعِ فِي إِيجَابِهِ.

النَّوْعُ الْعَاشِرُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنَ الْحَجِّ، فَلَيْسَ