للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ فِي شِرَاءِ الْجَوَارِي يَكُونُ بِالْحَيْضَةِ، فَكَذَا الْعِدَّةُ تَكُونُ بِالْحَيْضَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْعِدَّةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ.

الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ: لَهُمْ: أَنَّ الْغَرَضَ الْأَصْلِيَّ فِي الْعِدَّةِ اسْتِبْرَاءُ الرَّحِمِ، وَالْحَيْضُ هُوَ الَّذِي تُسْتَبْرَأُ بِهِ الْأَرْحَامُ دُونَ الطُّهْرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْحَيْضَ دُونَ الطُّهْرِ.

الْحُجَّةُ السابعة: لهم: أن القول بأل الْقُرُوءَ هِيَ الْحِيَضُ احْتِيَاطٌ وَتَغْلِيبٌ لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ، لِأَنَّ الْمُطَّلَقَةَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهَا بَقِيَّةُ الطُّهْرِ وَطَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنْ جَعْلَنَا الْقُرْءَ هُوَ الْحَيْضَ، فَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ لِلْغَيْرِ التَّزَوُّجُ بِهَا، وَإِنْ جَعَلْنَا الْقُرْءَ طُهْرًا، فَحِينَئِذٍ يَحِلُّ لِلْغَيْرِ التَّزَوُّجُ بِهَا، وَجَانِبُ التَّحْرِيمِ أَوْلَى بِالرِّعَايَةِ،

لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا اجْتَمَعَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ إِلَّا وَغَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ»

وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ الْحُرْمَةُ، وَلِأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إِلَى الِاحْتِيَاطِ، فَكَانَ أَوْلَى

لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»

فَهَذَا جُمْلَةُ الْوُجُوهِ فِي هَذَا الْبَابِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ عِنْدَ تَعَارُضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ تَضْعُفُ التَّرْجِيحَاتُ، وَيَكُونُ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّ الْكُلِّ مَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ فَاعْلَمْ أَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ لَمَّا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى انْقِضَاءِ الْقُرْءِ فِي حق ذوات الأقراء، وضع الْحَمْلِ فِي حَقِّ الْحَامِلِ، وَكَانَ الْوُصُولُ إِلَى عِلْمِ ذَلِكَ لِلرِّجَالِ مُتَعَذِّرًا جُعِلَتِ الْمَرْأَةُ أَمِينَةً فِي الْعِدَّةِ، وَجُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا إِذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَ قُرْئِهَا فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهَا، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَسَاعَةٌ، لِأَنَّ أَمْرَهَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا طُلِّقَتْ طَاهِرَةً فَحَاضَتْ بَعْدَ سَاعَةٍ، ثُمَّ حَاضَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَهُوَ أَقَلُّ الْحَيْضِ، ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ أَقَلُّ الطُّهْرِ، مَرَّةً أُخْرَى يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَتِ الدَّمَ فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِحُصُولِ ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ، فَمَتَى ادَّعَتْ هَذَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا قُبِلَ قَوْلُهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا فَادَّعَتْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، لِأَنَّهَا عَلَى أَصْلِ أَمَانَتِهَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ: مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ الْحَبَلُ وَالْحَيْضُ مَعًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا أَغْرَاضٌ كَثِيرَةٌ فِي كِتْمَانِهِمَا، أَمَّا كِتْمَانُ الْحَبَلِ فَإِنَّ غَرَضَهَا فِيهِ أَنَّ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِالْقُرُوءِ أَقَلُّ زَمَانًا مِنِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَإِذَا كَتَمَتِ الْحَبَلَ قَصُرَتْ مُدَّةُ عِدَّتِهَا فَتُزَوَّجُ بِسُرْعَةٍ، وَرُبَّمَا كَرِهَتْ مُرَاجَعَةَ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَرُبَّمَا أَحَبَّتِ التَّزَوُّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ/ أَوْ أَحَبَّتْ أَنْ يَلْتَحِقَ وَلَدُهَا بِالزَّوْجِ الثَّانِي، فَلِهَذِهِ الْأَغْرَاضِ تَكْتُمُ الْحَبَلَ، وَأَمَّا كِتْمَانُ الْحَيْضِ فَغَرَضُهَا فِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَقَدْ تُحِبُّ تَطْوِيلَ عِدَّتِهَا لِكَيْ يُرَاجِعَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ تُحِبُّ تَقْصِيرَ عِدَّتِهَا لِتَبْطِيلِ رَجْعَتِهِ وَلَا يَتِمُّ لَهَا ذَلِكَ إِلَّا بِكِتْمَانِ بَعْضِ الْحَيْضِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّهَا إِذَا حَاضَتْ أَوَّلًا فَكَتَمَتْهُ، ثُمَّ أَظْهَرَتْ عِنْدَ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ حَيْضِهَا فَقَدْ طَوَّلَتِ الْعِدَّةَ، وَإِذَا كَتَمَتْ أَنَّ الْحَيْضَةَ الثَّالِثَةَ وُجِدَتْ فكمثل، وَإِذَا كَتَمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا بَاقٍ فَقَدْ قَطَعَتِ الرَّجْعَةَ عَلَى زَوْجِهَا، فَثَبَتَ أَنَّهُ كَمَا أَنَّ لَهَا غَرَضًا فِي كِتْمَانِ الْحَبَلِ، فَكَذَلِكَ فِي كِتْمَانِ الْحَيْضِ، فَوَجَبَ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ النَّهْيُ عَنْ كِتْمَانِ الْحَمْلِ فَقَطْ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى:

هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ [آلِ عِمْرَانَ: ٦] وَثَانِيهَا: أَنَّ الْحَيْضَ خَارِجٌ عَنِ الرَّحِمِ لَا أَنَّهُ