وَالْجَوَابُ فِي كِتَابِهِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا أُصُولِيَّةٌ وَمِنْهَا فُرُوعِيَّةٌ، أَمَّا الْأُصُولِيَّةُ فَأَوَّلُهَا فِي البقرة: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة: ١٨٩] . وثانيها: في بني إسرائيل وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: ٨٥] . وثالثها: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً [طه: ١٠٥] .
ورابعها: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها [النَّازِعَاتِ: ٤٢] وَأَمَّا الْفُرُوعِيَّةُ فَسِتَّةٌ مِنْهَا فِي الْبَقَرَةِ عَلَى التَّوَالِي: أَحَدُهَا:
يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [البقرة: ٢١٥] وثانيها: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [البقرة: ٢١٧] . وثالثها: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ [البقرة: ٢١٩] . ورابعها: وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [البقرة: ٢١٩] . وخامسها: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [الْبَقَرَةِ: ٢٢٠] . وسادسها: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً [الْبَقَرَةِ: ٢٢٢] . وَسَابِعُهَا: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الْأَنْفَالِ: ١] . وثامنها:
وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً [الْكَهْفِ: ٨٣] . وَتَاسِعُهَا: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ [يُونُسَ: ٥٣] . وَعَاشِرُهَا: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النِّسَاءِ: ١٧٦] .
وَالْحَادِيَةَ عَشْرَ: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [الْبَقَرَةِ: ١٨٦] إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ جَاءَتْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ وَالْأَجْوِبَةُ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَالْأَغْلَبُ فِيهَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ السُّؤَالَ قَالَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ وَفِي صُورَةٍ أُخْرَى جَاءَ الْجَوَابُ بِصِيغَةِ فَقُلْ مَعَ فَاءِ التَّعْقِيبِ وَفِي صُورَةِ ثَالِثَةٍ ذَكَرَ السُّؤَالَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَوَابَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها [الأعراف: ١٨٧] وَفِي صُورَةٍ رَابِعَةٍ ذَكَرَ الْجَوَابَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ لَفْظَ قُلْ وَلَا لَفْظَ فَقُلْ وَهُوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ وَلَا بُدَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنَ الْفَائِدَةِ فَنَقُولُ:
أَمَّا الْأَجْوِبَةُ الْوَارِدَةُ بِلَفْظِ قُلْ فَلَا إِشْكَالَ فِيهَا لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى قُلْ كَالتَّوْقِيعِ الْمُحَدَّدِ فِي ثُبُوتِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَالتَّشْرِيفِ الْمُحَدَّدِ فِي كَوْنِهِ مُخَاطَبًا مِنَ اللَّه تَعَالَى بِأَدَاءِ الْوَحْيِ وَالتَّبْلِيغِ. وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ: فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً [طه: ١٠٥] فالسبب أن قوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ [طه: ١٠٥] سُؤَالٌ إِمَّا عَنْ قِدَمِهَا أَوْ عَنْ وُجُوبِ بَقَائِهَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ فَلَا جَرَمَ أَمَرَ اللَّه تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبَ بِلَفْظِ/ الْفَاءِ الْمُفِيدِ لِلتَّعْقِيبِ كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ يَا مُحَمَّدُ أَجِبْ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ فِي الْحَالِ وَلَا تَقْتَصِرْ فَإِنَّ الشَّكَّ فِيهِ كُفْرٌ وَلَا تُمْهِلْ هَذَا الْأَمْرَ لِئَلَّا يَقَعُوا فِي الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ، ثُمَّ كَيْفِيَّةُ الْجَوَابِ أَنَّهُ قَالَ: فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّسْفَ مُمْكِنٌ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ فِي حَقِّ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْجَبَلِ وَالْحِسُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا فِي حَقِّ كُلِّ الْجَبَلِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقَدِيمٍ وَلَا وَاجِبِ الْوُجُودِ لِأَنَّ الْقَدِيمَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ وَالنَّسْفُ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُمْ قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ إِلَهِكَ أَهُوَ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ حَدِيدٌ فَقَالَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الْإِخْلَاصِ: ١] وَلَمْ يَقُلْ فَقُلْ هُوَ اللَّه أَحَدٌ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ قُلْنَا إِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَحْكِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ سُؤَالَهُمْ وَحَرْفُ الْفَاءِ مِنَ الْحُرُوفِ الْعَاطِفَةِ فَيَسْتَدْعِي سَبْقَ كَلَامٍ فَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ ترك الفاء بخلاف هاهنا فَإِنَّهُ تَعَالَى حَكَى سُؤَالَهُمْ فَحَسُنَ عَطْفُ الْجَوَابِ عَلَيْهِ بِحَرْفِ الْفَاءِ. وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: فَإِنَّهُ تعالى لم يذكر الجواب في قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها فَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ مَعْرِفَةَ وَقْتِ السَّاعَةِ عَلَى التَّعْيِينِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمَفَاسِدِ الَّتِي شَرَحْنَاهَا فِيمَا سَبَقَ فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ الْجَوَابَ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنَ الْأَسْئِلَةِ مَا لَا يُجَابُ عَنْهَا. وَأَمَّا الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ: وَهِيَ قَوْلُهُ: فَإِنِّي قَرِيبٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي جَوَابِهِ قُلْ فَفِيهِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِ حَالِ الدُّعَاءِ وَأَنَّهُ مِنْ أعظم العبادات فكأنه سبحانه قال: يا عبادي أَنْتَ إِنَّمَا تَحْتَاجُ إِلَى الْوَاسِطَةِ فِي غَيْرِ الدُّعَاءِ أَمَّا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute