ويقول: «فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه (١)» وإقامته صلى الله عليه وسلم في مكة تسعة عشر يوما عام الفتح محمولة على أنه لم يجمع عليها، ولكنه إنما قام لإصلاح أمور الدين، وتأسيس توحيد الله في مكة، وتوجيه المسلمين إلى ما يجب عليهم، فلا يلزم من ذلك أن يكون عزم على هذه الإقامة، فقد يحمل على أنه أقامها إقامة لم يعزم عليها، وإنما مضت به الأيام في النظر في شؤون المسلمين، وإصلاح ما يحتاج إلى إصلاح، وإقامة شعائر الدين في مكة المكرمة، وليس هناك ما يدل على أنه عزم عليها حتى يحتج بذلك على أن المدة تسعة عشر يوما كما جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهكذا إقامته في تبوك عشرون يوما ليس هناك ما يدل على أنه عازم عليها عليه الصلاة والسلام، بل الظاهر أنه أقام يتحرى ما يتعلق بحرب الروم، وينظر في الأمر، فليس عنده إقامة جازمة لذلك، لأن الأصل عدم الجزم، بالإقامة إلا بدليل وهو مسافر للجهاد والحرب مع الروم، وتريث في تبوك هذه المدة للنظر في أمر الجهاد، وهل يستمر في الجهاد ويتقدم إلى الروم أم يرجع، ثم اختار الله له سبحانه أن يرجع إلى المدينة، وصار الجهاد بعد ذلك على يد الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
(١) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، برقم (٥٢)، ومسلم في كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، برقم (١٥٩٩).