للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فَنَقُولُ: كُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَذَاتُهُ مُرَكَّبَةٌ وَكُلُّ مُرَكَّبٍ فَهُوَ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ وَكُلُّ مُمْكِنٍ لِذَاتِهِ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى الْمُوجِدِ وَالْمُؤَثِّرِ وَذَلِكَ عَلَى الْإِلَهِ الْوَاجِبِ لِذَاتِهِ مُحَالٌ.

الْبُرْهَانُ السَّابِعُ: ان نقول: كل ذات قائمة بنفسها مشارا إِلَيْهَا بِحَسَبِ الْحِسِّ فَهُوَ مُنْقَسِمٌ وَكُلُّ مُنْقَسِمٍ مُمْكِنٌ فَكُلُّ ذَاتٍ قَائِمَةٍ بِنَفْسِهَا مُشَارٌ إِلَيْهَا بِحَسَبِ الْحِسِّ فَهُوَ مُمْكِنٌ. فَمَا لَا يَكُونُ مُمْكِنًا لِذَاتِهِ بَلْ كَانَ وَاجِبًا لِذَاتِهِ امْتَنَعَ كَوْنُهُ مُشَارًا إِلَيْهِ بِحَسَبِ الْحِسِّ.

أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى: فَلِأَنَّ كُلَّ ذَاتٍ قَائِمَةٍ بِالنَّفْسِ مُشَارٌ إِلَيْهَا بِحَسَبِ الْحِسِّ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ جَانِبُ يَمِينِهِ مُغَايِرًا لِجَانِبِ يَسَارِهِ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُنْقَسِمٌ.

وَأَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مُنْقَسِمٍ مُمْكِنٌ فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ غَيْرُهُ وَكُلُّ مُنْقَسِمٍ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ وَكُلُّ مُفْتَقِرٍ إِلَى غَيْرِهِ فَهُوَ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا الدَّلِيلِ إِنَّمَا تَتِمُّ بِنَفْيِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ.

الْبُرْهَانُ الثَّامِنُ: لَوْ ثَبَتَ كَوْنُهُ تَعَالَى فِي حَيِّزٍ لَكَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْعَرْشِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ أَصْغَرَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَ مُنْقَسِمًا لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي مِنْهُ يُسَاوِي الْعَرْشَ يَكُونُ مُغَايِرًا لِلْقَدْرِ الَّذِي يَفْضُلُ عَلَى الْعَرْشِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَ مُنْقَسِمًا لِأَنَّ الْعَرْشَ مُنْقَسِمٌ وَالْمُسَاوِي لِلْمُنْقَسِمِ مُنْقَسِمٌ وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَرْشُ أَعْظَمَ مِنْهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا عِنْدَنَا/ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَ الْخُصُومِ فَلِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ كَوْنَ غَيْرِ اللَّه تَعَالَى أَعْظَمَ مِنَ اللَّه تَعَالَى فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ بَاطِلٌ.

الْبُرْهَانُ التَّاسِعُ: لَوْ كَانَ الْإِلَهُ تَعَالَى حَاصِلًا فِي الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ لَكَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَنَاهِيًا مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ وَالْقِسْمَانِ بَاطِلَانِ فَالْقَوْلُ بِكَوْنِهِ حَاصِلًا فِي الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ بَاطِلٌ أَيْضًا. أَمَّا بَيَانُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَنَاهِيًا مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ فَلِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَحْصُلُ فَوْقَهُ أَحْيَازٌ خَالِيَةٌ وَهُوَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْجِسْمِ فِي ذَلِكَ الْحَيِّزِ الْخَالِي وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَوْ خَلَقَ هُنَاكَ عَالَمًا آخَرَ لَحَصَلَ هُوَ تَعَالَى تَحْتَ الْعَالَمِ وَذَلِكَ عِنْدَ الْخَصْمِ مُحَالٌ وَأَيْضًا فَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْلُقَ مِنَ الْجَوَانِبِ السِّتَّةِ لِتِلْكَ الذَّاتِ أَجْسَامًا أُخْرَى وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَتَحْصُلُ ذَاتُهُ فِي وَسَطِ تِلْكَ الْأَجْسَامِ مَحْصُورَةً فِيهَا وَيَحْصُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْسَامِ الِاجْتِمَاعُ تَارَةً وَالِافْتِرَاقُ أُخْرَى وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى اللَّه تَعَالَى مُحَالٌ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَنَاهٍ مِنْ بَعْضِ الْجِهَاتِ فَهَذَا أَيْضًا مُحَالٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْبُرْهَانِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ وُجُودُ بُعْدٍ لَا نِهَايَةَ لَهُ وَأَيْضًا فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُمْكِنُ إِقَامَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْعَالَمَ مُتَنَاهٍ لِأَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ يُذْكَرُ فِي تَنَاهِي الْأَبْعَادِ فَإِنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ يَنْتَقِضُ بِذَاتِ اللَّه تَعَالَى فَإِنَّهُ عَلَى مَذْهَبِ الْخَصْمِ بُعْدٌ لَا نِهَايَةَ لَهُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا يَرْضَى بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا أَنَّهُ يُسَاعِدُ عَلَى الْمَعْنَى وَالْمَبَاحِثُ الْعَقْلِيَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَعَانِي لَا عَلَى الْمُشَاحَّةِ فِي الْأَلْفَاظِ.

الْبُرْهَانُ الْعَاشِرُ: لَوْ كَانَ الْإِلَهُ تَعَالَى حَاصِلًا فِي الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ لَكَانَ كَوْنُهُ تَعَالَى هُنَاكَ إِمَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ حُصُولِ جِسْمٍ آخَرَ هُنَاكَ أَوْ لَا يَمْنَعَ وَالْقِسْمَانِ بَاطِلَانِ فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِكَوْنِهِ حَاصِلًا فِي الْحَيِّزِ.

أَمَّا فَسَادُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ: فَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ كَوْنُهُ هُنَاكَ مَانَعًا مِنْ حُصُولِ جِسْمٍ آخَرَ هُنَاكَ كَانَ هُوَ تَعَالَى مُسَاوِيًا

<<  <  ج: ص:  >  >>