للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاطِلَانِ فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِكَوْنِهِ حَاصِلًا فِي الْحَيِّزِ.

أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَرَّكَ فَنَقُولُ: هَذِهِ الذَّاتُ لَا تَخْلُو عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَهُمَا مُحْدَثَانِ لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ السُّكُونَ جَائِزٌ عَلَيْهِ وَالْحَرَكَةَ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الْمُؤَثِّرُ فِي تِلْكَ الْحَرَكَةِ وَلَا فِي ذَلِكَ السُّكُونِ ذَاتُهُ وَإِلَّا لَامْتَنَعَ طَرَيَانُ ضِدِّهِ وَالتَّقْدِيرُ: هُوَ تَقْدِيرُ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَرَّكَ وَأَنْ يَسْكُنَ وَإِذَا كان كذلك ان الْمُؤَثِّرُ فِي حُصُولِ تِلْكَ الْحَرَكَةِ وَذَلِكَ السُّكُونِ هُوَ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ وَكُلُّ مَا كَانَ فِعْلًا لِفَاعِلٍ مُخْتَارٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ فَالْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ مُحْدَثَانِ وما لا يخلو عن المحدث فهو محدث فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ ذَاتُهُ تَعَالَى مُحْدَثَةً وَهُوَ مُحَالٌ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ يَكُونُ مُخْتَصًّا بِحَيِّزِ وَجِهَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَحَرَّكَ عَنْهُ فَهَذَا أَيْضًا مُحَالٌ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ كَالزَّمِنِ الْمُقْعَدِ الْعَاجِزِ وَذَلِكَ نَقْصٌ وَهُوَ عَلَى اللَّه مُحَالٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ فَرْضُ مَوْجُودٍ حَاصِلٍ فِي حَيِّزٍ مُعَيَّنٍ بِحَيْثُ يَكُونُ حُصُولُهُ فِيهِ وَاجِبَ التَّقَرُّرِ مُمْتَنِعَ الزَّوَالِ لَمْ يَبْعُدْ أَيْضًا فَرْضُ أَجْسَامٍ أُخْرَى مُخْتَصَّةٍ بَأَحْيَازٍ مُعَيَّنَةٍ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ خُرُوجُهَا عَنْ تِلْكَ الْأَحْيَازِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُ حُدُوثِهَا بِدَلِيلِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالْكَرَّامِيَّةُ يُسَاعِدُونَ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ حَاصِلًا فِي الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ كَانَ مُسَاوِيًا لِلْأَجْسَامِ فِي كَوْنِهِ مُتَحَيِّزًا شَاغِلًا لِلْأَحْيَازِ ثُمَّ نُقِيمُ الدَّلَالَةَ الْمَذْكُورَةَ عَلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّزَاتِ لَمَّا كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً فِي صِفَةِ التَّحَيُّزِ وَجَبَ كَوْنُهَا مُتَسَاوِيَةً فِي تَمَامِ الْمَاهِيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ خَالَفَ بَعْضُهَا بَعْضًا لَكَانَ مَا بِهِ الْمُخَالَفَةُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَالًّا فِي الْمُتَحِيِّزِ أَوْ مَحَلًّا لَهُ أَوْ لَا حَالًّا وَلَا مَحَلًّا وَالْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ بَاطِلَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ وَإِذَا كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً فِي تَمَامِ الْمَاهِيَّةِ فَكَمَا أَنَّ الْحَرَكَةَ صَحِيحَةٌ عَلَى هَذِهِ الْأَجْسَامِ وَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهَا عَلَى ذَاتِ اللَّه تَعَالَى وَحِينَئِذٍ يَتِمُّ الدَّلِيلُ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: لَوْ كَانَ تَعَالَى مُخْتَصًّا بِحَيِّزٍ مُعَيَّنٍ لَكُنَّا إِذَا فَرَضْنَا وُصُولَ إِنْسَانٍ إِلَى طَرَفِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَحَاوَلَ الدُّخُولَ فِيهِ فَإِمَّا أَنْ يُمْكِنَهُ النُّفُوذُ وَالدُّخُولُ فِيهِ أَوْ لَا يُمْكِنَهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَانَ كَالْهَوَاءِ اللَّطِيفِ وَالْمَاءِ اللَّطِيفِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَابِلًا لِلتَّفَرُّقِ وَالتَّمَزُّقِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَانَ صُلْبًا كَالْحَجَرِ الصَّلْدِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ النُّفُوذُ فِيهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ كَانَ مُخْتَصًّا بِمَكَانٍ وَحَيِّزٍ وَجِهَةٍ لَكَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا سَهْلَ التَّفَرُّقِ وَالتَّمَزُّقِ كَالْمَاءِ وَالْهَوَاءِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ صُلْبًا جَاسِئًا كَالْحَجَرِ الصَّلْدِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ إِثْبَاتَ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ فِي حَقِّ الْإِلَهِ كُفْرٌ وَإِلْحَادٌ فِي صِفَتِهِ وَأَيْضًا فَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِمَكَانٍ وَجِهَةٍ لَكَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ نُورَانِيًّا وَظُلْمَانِيًّا وَجُمْهُورُ الْمُشَبِّهَةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ نُورٌ مَحْضٌ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ النُّورَ شَرِيفٌ وَالظُّلْمَةَ خَسِيسَةٌ إِلَّا أَنَّ/ الِاسْتِقْرَاءَ الْعَامَّ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ النُّورَانِيَّةَ رَقِيقَةٌ لَا تَمْنَعُ النَّافِذَ مِنَ النُّفُوذِ فِيهَا وَالدُّخُولِ فِيمَا بَيْنَ أَجْزَائِهَا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَإِنَّ ذَلِكَ الَّذِي يُنْفَذُ فِيهِ يُمْتَزَجُ بِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ أَجْزَائِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ جَارِيًا مَجْرَى الْهَوَاءِ الَّذِي يَتَّصِلُ تَارَةً وَيَنْفَصِلُ أُخْرَى وَيَجْتَمِعُ تَارَةً وَيَتَمَزَّقُ أُخْرَى وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِالْمُسْلِمِ أَنْ يَصِفَ إِلَهَ الْعَالَمِ بِهِ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ خَالِقَ الْعَالَمِ هُوَ بَعْضُ هَذِهِ الرِّيَاحِ الَّتِي تَهُبُّ؟ أَوْ يُقَالَ إِنَّهُ بَعْضُ هَذِهِ الْأَنْوَارِ وَالْأَضْوَاءِ الَّتِي تُشْرِقُ عَلَى الْجُدْرَانِ؟ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّفَرُّقَ وَالتَّمَزُّقَ وَلَا يَتَمَكَّنُ النَّافِذُ مِنَ النُّفُوذِ فَإِنَّهُ يُرْجِعُ حَاصِلُ كَلَامِهِمْ إِلَى أَنَّهُ حَصَلَ فَوْقَ الْعَالَمِ جَبَلٌ صُلْبٌ شَدِيدٌ وَإِلَهُ هَذَا الْعَالَمِ هُوَ ذَلِكَ الْجَبَلُ الصُّلْبُ الْوَاقِفُ فِي الْحَيِّزِ الْعَالِي وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ لَهُ طَرَفٌ وَحَدٌّ وَنِهَايَةٌ فَهَلْ حَصَلَ لِذَلِكَ الشَّيْءِ عُمْقٌ وَثُخْنٌ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>