للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلرَّجُلِ الطَّوِيلِ: فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ وَلِلرَّجُلِ الَّذِي يُكْثِرُ/ الضِّيَافَةَ كَثِيرُ الرَّمَادِ وَلِلرَّجُلِ الشَّيْخِ فُلَانٌ اشْتَعَلَ رَأْسُهُ شَيْبًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إِجْرَاؤُهَا عَلَى ظَوَاهِرِهَا إِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهَا تَعْرِيفُ الْمَقْصُودِ عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ فكذا هاهنا يَذْكُرُ الِاسْتِوَاءَ عَلَى الْعَرْشِ وَالْمُرَادُ نَفَاذُ الْقُدْرَةِ وَجَرَيَانُ الْمَشِيئَةِ ثُمَّ قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ تَعَالَى لَمَّا دَلَّ عَلَى ذَاتِهِ وَعَلَى صِفَاتِهِ وَكَيْفِيَّةِ تَدْبِيرِهِ الْعَالَمَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَلِفُوهُ مِنْ مُلُوكِهِمْ وَرُؤَسَائِهِمُ اسْتَقَرَّ فِي قُلُوبِهِمْ عَظَمَةُ اللَّهِ وَكَمَالُ جَلَالِهِ إِلَّا أَنَّ كل ذلك مشروط ينفى التَّشْبِيهِ فَإِذَا قَالَ: إِنَّهُ عَالِمٌ فَهِمُوا مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَعَالَى شَيْءٌ ثُمَّ عَلِمُوا بِعُقُولِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ الْعِلْمُ بِفِكْرَةٍ وَلَا رَوِيَّةٍ وَلَا بِاسْتِعْمَالِ حَاسَّةٍ وَإِذَا قَالَ: قَادِرٌ عَلِمُوا مِنْهُ أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إِيجَادِ الْكَائِنَاتِ وَتَكْوِينِ الْمُمْكِنَاتِ ثُمَّ عَلِمُوا بِعُقُولِهِمْ أَنَّهُ غَنِيٌّ فِي ذَلِكَ الْإِيجَادِ وَالتَّكْوِينِ عَنِ الْآلَاتِ وَالْأَدَوَاتِ وَسَبَقَ الْمَادَّةَ وَالْمُدَّةَ وَالْفِكْرَةَ وَالرَّوِيَّةَ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ صِفَاتِهِ وَإِذَا أَخْبَرَ أَنَّ لَهُ بَيْتًا يَجِبُ عَلَى عِبَادِهِ حَجُّهُ فَهِمُوا مِنْهُ أَنَّهُ نَصَبَ لَهُمْ مَوْضِعًا يَقْصِدُونَهُ لِمَسْأَلَةِ رَبِّهِمْ وَطَلَبِ حَوَائِجِهِمْ كَمَا يَقْصِدُونَ بُيُوتَ الْمُلُوكِ وَالرُّؤَسَاءِ لِهَذَا الْمَطْلُوبِ ثُمَّ عَلِمُوا بِعُقُولِهِمْ نَفْيَ التَّشْبِيهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ الْبَيْتَ مَسْكَنًا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ فِي دَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِعَيْنِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِذَا أَمَرَهُمْ بِتَحْمِيدِهِ وَتَمْجِيدِهِ فَهِمُوا مِنْهُ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِنِهَايَةِ تَعْظِيمِهِ ثُمَّ عَلِمُوا بِعُقُولِهِمْ أَنَّهُ لَا يَفْرَحُ لذلك التَّحْمِيدِ وَالتَّعْظِيمِ وَلَا يَغْتَمُّ بِتَرْكِهِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ فَنَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى اخبر انه خلق السموات والأرض كما أراد وشاء من غر مُنَازِعٍ وَلَا مُدَافِعٍ ثُمَّ أَخْبَرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ أَيْ حَصَلَ لَهُ تَدْبِيرُ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى مَا شَاءَ وَأَرَادَ فَكَانَ قَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ أَيْ بَعْدَ أَنْ خَلَقَهَا اسْتَوَى عَلَى عَرْشِ الْمُلْكِ وَالْجَلَالِ. ثُمَّ قَالَ الْقَفَّالُ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ [يُونُسَ: ٣] فَقَوْلُهُ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ جَرَى مَجْرَى التَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ: اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ فِي تَفْسِيرِهَا: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا حَمَلْتُمْ قَوْلَهُ: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: اسْتَوَى عَلَى الْمُلْكِ وَجَبَ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُ لَمْ يكن مستويا قبل خلق السموات وَالْأَرْضِ.

قُلْنَا: إِنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا كَانَ قَبْلَ خَلْقِ الْعَوَالِمِ قَادِرًا عَلَى تَخْلِيقِهَا وَتَكْوِينِهَا وَمَا كان مكونا ولا موجودا لها بأعيانها بالفعل لان احياء زيد وامانة عَمْرٍو وَإِطْعَامَ هَذَا وَإِرْوَاءَ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ/ إِلَّا عِنْدَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَإِذَا فَسَّرْنَا الْعَرْشَ بِالْمُلْكِ وَالْمُلْكَ بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ صَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا اسْتَوَى عَلَى مُلْكِهِ بَعْدَ خلق السموات وَالْأَرْضِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إِنَّمَا ظَهَرَ تَصَرُّفُهُ فِي هذه الأشياء وتدبيره لها بعد خلق السموات وَالْأَرْضِ وَهَذَا جَوَابُ حَقٍّ صَحِيحٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى وَهَذَا الْوَجْهُ قَدْ أَطَلْنَا فِي شَرْحِهِ فِي سُورَةِ طه فَلَا نُعِيدُهُ هُنَا.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ نُفَسِّرَ الْعَرْشَ بِالْمُلْكِ وَنُفَسِّرَ اسْتَوَى بِمَعْنَى: عَلَا وَاسْتَعْلَى عَلَى الْمُلْكِ فيكون المعنى:

<<  <  ج: ص:  >  >>