كان غزو الناصر إلى مدينة طليطلة، غزاته الثانية التي فتحت فيها عليه، وكان أهل طليطلة، لما أخذهم الحصار، واشتد عليهم التضييق، ولازمهم القواد، قد استجاشوا بالمشركين، واستنجدوهم، ورجوا نصرهم لهم؛ فلم يغنوا عنهم فتيلا، ولا كشفوا عنهم عذابا، ولا جلبوا إليهم إلا خزيا وهوانا. وخرج القواد المحاصرون لهم إلى الكفرة؛ فهزموهم، وفرقوا جموعهم، وانصرفوا مولين على أعقابهم، خاذلين لمن انتصر بهم، ورجا الغياث من قبلهم. فلما يئس أهل طليطلة أن ينصرهم أحد من بأس الله الذي عاجلهم، وانتقامه الذي طاولهم، عاذوا بصفح أمير المؤمنين، وسألوه تأمينهم، وضرعوا إليه في اغتفار ذنوبهم؛ فخرج لاستنزال أهل طليطلة، وتوطيد طاعته فيها، وإحكام نظره بها ثم أمن أهل طليطلة، وخرجوا إلى العسكر، ونالوا المرافق فيه، وابتاعوا المعايش التي طال ما أجهدهم عدمها، ومنعهم الحصار منها؛ فعرفوا غبطة ما صاروا إليه من الأمن بعد الخوف، والسعة إثر الضيق، والانبساط بعد طول الانقباض. ثم ركب الناصر إلى مدينة طليطلة في اليوم الثاني من نزوله بمحلته عليها، ودخلها، وجال في أقطارها.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً