كانت فتنة الأتراك ببغداد، وكان سببها أنهم تخلف لهم على الوزير الذي للملك الرحيم مبلغ كثير من رسومهم، فطالبوه، وألحوا عليه، فاختفى في دار الخلافة، فحضر الأتراك بالديوان وطالبوه، وشكوا ما يلقونه منه من المطل بمالهم، فلم يجابوا إلى إظهاره، فعدلوا عن الشكوى منه إلى الشكوى من الديوان، وقالوا: إن أرباب المعاملات قد سكنوا بالحريم، وأخذوا الأموال، وإذا طلبناهم بها يمتنعون بالمقام بالحريم، وانتصب الوزير والخليفة لمنعنا عنهم، وقد هلكنا، فتردد الخطاب منهم، والجواب عنه، فقاموا نافرين، فلما كان الغد ظهر الخبر أنهم على عزم حصر دار الخلافة، فانزعج الناس لذلك، وأخفوا أموالهم، وحضر البساسيري دار الخلافة، وتوصل إلى معرفة خبر الوزير، فلم يظهر له على خبر، فطلب من داره ودور من يتهم به، وكبست الدور، فلم يظهروا له على خبر، وركب جماعة من الأتراك إلى دار الروم فنهبوها، وأحرقوا البيع والقلايات، ونهبوا فيها دار أبي الحسن بن عبيد، وزير البساسيري، ونهب الأتراك كل من ورد إلى بغداد، فغلت الأسعار، وعدمت الأقوات، وأرسل إليهم الخليفة ينهاهم، فلم ينتهوا، فأظهر أنه يريد الانتقال عن بغداد، فلم يزجروا، هذا جميعه والبساسيري غير راض بفعلهم، وهو مقيم بدار الخليفة، وتردد الأمر إلى أن ظهر الوزير، وقام لهم الباقي من مالهم من ماله، وأثمان دوابه، وغيرها، ولم يزالوا في خبط وعسف، فعاد طمع الأكراد والأعراب أشد منه أولاً، وعاودوا الغارة والنهب والقتل، فخربت البلاد وتفرق أهلها، فازداد خوف الناس من العامة والأتراك، وعظم انحلال أمر السلطنة بالكلية، وهذا من ضرر الخلاف.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً