لم تجد الحركة القومية العربية صدى في البلاد العربية بسبب أصلها النصراني وبقيت معظم البلاد العربية على ولائها للحكم العثماني، وكان للحركة السلفية بالحجاز ونجد دور في التصدي لهذا الفكر المتعصب الجاهلي، وهذا الانحصار عمَّق من اتصال القوميين العرب بالشام مع الدول الأوروبية النصرانية خاصة فرنسا وإنجلترا، ويعتبر وزير خارجية إنجلترا إيدن هو صاحب فكرة الجامعة العربية والمدبر الأول لقيامها، والموحي بها في عقول الساسة العرب وقتها، وذلك بعد سنوات طويلة من نشر الفكر القومي على صعيد الوطن العربي وبعد غياب الخلافة العثمانية ووقوع معظم البلاد العربية تحت الاحتلال، وجاء بيان وزير الخارجية في ١٩٤١/ ٥/٢٩ معلنًا تأييد حكومته لآمال الوحدة العربية واستعدادها لمعاونة العرب على ذلك، وقال فيه: إن كثيرين من مفكري العرب يرجون للشعوب العربية درجة من الوحدة أكبر مما هي عليه الآن، وحكومة صاحب الجلالة من ناحيتها ستؤيد كل التأييد أية خطة تلقى من العرب موافقة عامة. وعلى المستوى الإقليمي ساعدت التطورات التى كانت تجتازها دول الجوار وهي بالأساس تركيا وإيران على شغلها بنفسها وصرفها عن محاولة إجهاض مساعى العرب إلى الوحدة. وعلى المستوى الدولي تلت الحرب العالمية الثانية مرحلة انتقالية من مراحل تطور النظام الدولى، صرفت انتباه الولايات المتحدة إلى المناطق المجاورة للاتحاد السوفيتى وأوروبا الشرقية والصين، بينما تركت المنطقة العربية، مؤقتاً، لتقع ضمن اهتمامات بريطانيا وفرنسا بما لهما من خبرة طويلة في الشئون العربية. وفيما يخص بريطانيا وموقفها من تأسيس الجامعة العربية فإنها لعبت بالفعل دوراً داعماً لتأسيس الجامعة العربية لأسباب مصلحية واستثماراً للعوامل الذاتية المبررة للوحدة وللظروف الإقليمية والدولية المواتية، بدأت الخطوات التنفيذية لوضع هدف الوحدة موضع التنفيذ. فلقد أخذ رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس بزمام المبادرة بعد عام تقريباً من خطاب أنتونى إيدن. ودعا كلا من رئيس الوزراء السورى (جميل مردم) ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية (بشارة الخورى) للتباحث معهما في القاهرة حول فكرة "إقامة جامعة عربية لتوثيق العرى بين البلدان العربية المنضمة لها". وكانت هذه أول مرة تثار فيها فكرة الجامعة العربية بمثل هذا الوضوح ثم عاد بعد نحو شهر من تصريح إيدن أمام مجلس العموم، ليؤكد استعداد الحكومة المصرية لاستطلاع آراء الحكومات العربية في موضوع الوحدة، وعقد مؤتمر لمناقشته وهى الفكرة التى أثنى عليها حاكم الأردن في حينه الأمير عبد الله. وعلى أثر ذلك بدأت سلسلة من المشاورات الثنائية بين مصر من جانب وممثلى كل من العراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية والأردن واليمن من جانب آخر وهي المشاورات التى أسفرت عن تبلور اتجاهين رئيسين بخصوص موضوع الوحدة: الاتجاه الأول يدعو إلى ما يمكن وصفه بالوحدة الإقليمية الفرعية وقوامها سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب. والاتجاه الثانى يدعو إلى نوع أعم وأشمل من الوحدة يظلل عموم الدول العربية المستقلة وإن تضمن هذا الاتجاه بدوره رأيين فرعيين: أحدهما يدعو لوحدة فيدرالية أو كونفدرالية بين الدول المعنية والآخر يطالب بصيغة وسط تحقق التعاون والتنسيق في سائر المجالات وتحافظ في الوقت نفسه على استقلال الدول وسيادتها. وعندما اجتمعت لجنة تحضيرية من ممثلين عن كل من سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر واليمن (بصفة مراقب) في الفترة ٢٥ - ٩ إلى ٧ - ١٠ - ١٩٤٤ رجحت الاتجاه الداعى إلى وحدة الدول العربية المستقلة بما لا يمس استقلالها وسيادتها. كما استقرت على تسمية الرابطة المجسدة لهذه الوحدة بـ "جامعة الدول العربية" وآثرته على مسمى "التحالف" و"الاتحاد". وعلى ضوء ذلك تم التوصل إلى بروتوكول الإسكندرية الذى صار أول وثيقة تخص الجامعة والذى نص على المبادئ الآتية: -قيام جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلة التى تقبل الانضمام إليها ويكون لها مجلس تمثل فيه الدول المشتركة في الجامعة على قدم المساواة. مهمة مجلس الجامعة هى: مراعاة تنفيذ ما تبرمه الدول الأعضاء فيما بينها من اتفاقيات وعقد اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها والتنسيق بين خططها السياسية تحقيقا للتعاون فيما بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل السياسية الممكنة، والنظر بصفة عامة في شئون البلاد العربية. قرارات المجلس ملزمة لمن يقبلها فيما عدا الأحوال التى يقع فيها خلاف بين دولتين من أعضاء الجامعة، ويلجأ الطرفان إلى المجلس لفض النزاع بينهما. ففى هذه الأحوال تكون قرارات المجلس ملزمة ونافذة. لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين من دول الجامعة كما لا يجوز اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أية دولة من دولها. يجوز لكل دولة من الدول الأعضاء بالجامعة أن تعقد مع دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها اتفاقات خاصة لا تتعارض مع نصوص هذه الأحكام وروحها. وأخيراً الاعتراف بسيادة واستقلال الدول المنظمة إلى الجماعة بحدودها القائمة فعلاً. كما اشتمل البروتوكول على قرار خاص بضرورة احترام استقلال لبنان وسيادته، وعلى قرار آخر باعتبار فلسطين ركناً هاماً من أركان البلاد العربية وحقوق العرب فيها لا يمكن المساس بها من غير إضرار بالسلم والاستقلال في العالم العربي، ويجب على الدول العربية تأييد قضية عرب فلسطين بالعمل على تحقيق أمانيهم المشروعة وصون حقوقهم العادلة. وأخيراً نص في البروتوكول على أن (تشكل فوراً لجنة فرعية سياسية من أعضاء اللجنة التحضيرية المذكورة للقيام بإعداد مشروع لنظام مجلس الجامعة، ولبحث المسائل السياسية التى يمكن إبرام اتفاقيات فيها بين الدول العربية.) ووقع على هذا البروتوكول رؤساء الوفود المشاركة في اللجنة التحضيرية وذلك في ٧/ ١٠/١٩٤٤ باستثناء السعودية واليمن اللتين وقعتاه في ٣/ ١/١٩٤٥ و٥/ ٢/١٩٤٥ على التوالى بعد أن تم رفعه إلى كل من الملك عبد العزيز آل سعود والإمام يحيى حميد. ولقد مثل هذه البروتوكول الوثيقة الرئيسية التى وضع على أساسها ميثاق جامعة الدول العربية وشارك في إعداده- أى الميثاق- كل من اللجنة السياسية الفرعية التى أوصى بروتوكول الإسكندرية بتشكيلها ومندوبى الدول العربية الموقعين على بروتوكول الإسكندرية، مضافاً إليهم مندوب عام كل من السعودية واليمن وحضر مندوب الأحزاب الفلسطينية كمراقب. وبعد اكتمال مشروع الميثاق كنتاج لستة عشر اجتماعا عقدتها الأطراف المذكورة بمقر وزارة الخارجية المصرية في الفترة بين ١٧/ ٢ و٣/ ٣/١٩٤٥ أقر الميثاق بقصر الزعفران بالقاهرة في ١٩/ ٣/١٩٤٥ بعد إدخال بعض التنقيحات عليه. وفى ٢٢/ ٣/١٩٤٥ تم التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية من قبل مندوبى الدول العربية عدا السعودية واليمن اللتين وقعتا على الميثاق في وقت لاحق. وحضر جلسة التوقيع ممثل الأحزاب الفلسطينية وأصبح يوم ٢٢ مارس/آذار من كل عام هو يوم الاحتفال بالعيد السنوى لجامعة الدول العربية.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً