كان ابتداء أمر المهدي أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت العلوي، الحسني، حيث رحل في شبيبته إلى بلاد الشرق في طلب العلم، ثم عاد إلى المغرب، ولما ركب البحر من الإسكندرية، مغرباً، غير المنكر في المركب، وألزم من به بإقامة الصلاة، وقراءة القرآن، حتى انتهى إلى المهدية، وسلطانها حينئذ يحيى بن تميم، سنة خمس وخمسمائة، فنزل بمسجد قبلي مسجد السبت، وليس له سوى ركوة، وعصاً، وتسامع به أهل البلد، فقصدوه يقرءون عليه أنواع العلوم، وكان إذا مر به منكر غيَّره وأزاله، فلما كثر ذلك منه أحضره الأمير يحيى مع جماعة من الفقهاء، فلما رأى سمته وسمع كلامه أكرمه واحترمه، وسأله الدعاء، ورحل عن المدينة وأقام بالمنستير مع جماعة من الصالحين، مدة، وسار إلى بجاية ففعل فيها مثل ذلك، فأخرج منها إلى قرية بالقرب منها اسمها ملالة، فلقيه بها عبد المؤمن بن علي، فرأى فيه من النجابة والنهضة ما تفرس فيه التقدم، ولم يزل المهدي ملازماً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في طريقه إلى أن وصل إلى مراكش دار مملكة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، فرأى فيها من المنكرات أكثر مما عاينه في طريقه، فزاد في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فكثر أتباعه، وحسنت ظنون الناس فيه، وكان عند أمير المسلمين بعض وزرائه يقال له مالك بن وهيب، فقال: يا أمير المسلمين، إن هذا والله لا يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما يريد إثارة فتنة، والغلبة على بعض النواحي، فاقتله وقلدني دمه. فلم يفعل ذلك، فقال: إن لم تقتله فاحبسه، وخلده في السجن، وإلا أثار شراً لا يمكن تلافيه. فأراد حبسه، فمنعه رجل من أكابر الملثمين يسمى بيان بن عثمان، فأمر بإخراجه من مراكش، فسار إلى أغمات، ولحق بالجبل، فسار فيه، حتى التحق بالسوس وتسامع به أهل تلك النواحي، فوفدوا عليه، وحضر أعيانهم بين يديه، وجعل يعظهم، ويذكرهم بأيام الله، ويذكر لهم شرائع الإسلام، وما غيِّر منها، وما حدث من الظلم والفساد، وأنه لا يجب طاعة دولة من هذه الدول لاتباعهم الباطل، بل الواجب قتالهم، ومنعهم عما هم فيه، وسمَّى أتباعه الموحدين، فانتهى خبره إلى أمير المسلمين، فجهز جيشاً من أصحابه وسيرهم إليه، فنزلوا من الجبل، ولقوا جيش أمير المسلمين، فهزموهم، وأخذوا أسلابهم، وأقبلت إليه أفرواج القبائل، من الحلل التي حوله، شرقاً وغرباً، وبايعوه، وأطاعته قبيلة هنتانة، وهي من أقوى القبائل، فأقبل عليهم، واطمأن إليهم، وأتاه رسل أهل تين ملل بطاعتهم، وطلبوه إليهم، فتوجه إلى جبل تين ملل واستوطنه، وألف لهم كتاباً في التوحيد، وكتاباً في العقيدة، ونهج لهم طريق الأدب بعضهم مع بعض، والاقتصار على القصير من الثياب، القليل الثمن، وهو يحرضهم على قتال عدوهم، وإخراج الأشرار من بين أظهرهم، ثم إن أمير المسلمين أرسل إليهم جيشاً قوياً، فحصروهم في الجبل، وضيقوا عليهم، ومنعوا عنهم الميرة، فقلت عند أصحاب ابن ترموت الذي تلقب بالمهدي الأقوات، فاجتمع أهل تين ملل، وأرادوا إصلاح الحال مع أمير المسلمين، فبلغ الخبر بذلك المهدي بن تومرت، ولم يزل أمر ابن تومرت يعلو إلى سنة أربع وعشرين وخمسمائة، فجهز المهدي جيشاً كثيفاً يبلغون أربعين ألفاً، أكثرهم رجالة، وجعل عليهم الونشريشي، وسير معهم عبد المؤمن، فنزلوا وساروا إلى مراكش فحصروها، وضيقوا عليها، وبها أمير المسلمين علي بن يوسف، فبقي الحصار عليها عشرين يوماً، فأرسل أمير المسلمين إلى متولي سجلماسة يأمره أن يحضر ومعه الجيوش، فجمع جيشاً كثيراً وسار، فلما قارب عسكر المهدي خرج أهل مراكش من غير الجهة التي أقبل منها، فاقتتلوا، واشتد القتال، وكثر القتل في أصحاب المهدي، فقتل الونشريشي أميرهم، فاجتمعوا إلى عبد المؤمن وجعلوه أميراً عليهم، ولم يزل القتال بينهم عامة النهار، وصلى عبد المؤمن صلاة الخوف، الظهر والعصر، والحرب قائمة، ولم تصل بالمغرب قبل ذلك، فلما رأى المصامدة كثرة المرابطين، وقوتهم، أسندوا ظهورهم إلى بستان كبير هناك، والبستان يسمى عندهم البحيرة، فلهذا قيل وقعة البحيرة، وعام البحيرة، وصاروا يقاتلون من جهة واحدة إلى أن أدركهم الليل، وقد قتل من المصامدة أكثرهم، وحين قتل الونشريشي دفنه عبد المؤمن، فطلبه المصامدة، فلم يروه في القتلى، فقالوا: رفعته الملائكة، ولما جنهم الليل سار عبد المؤمن ومن سلم من القتلى إلى الجبل.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً