سأل الملك المجاهد صاحب اليمن إنجاده بعسكر من مصر، وأكثر من ترغيب السلطان في المال الذي باليمن، وكان قدوم رسله في مستهل صفر، فرسم السلطان بتجهيز العسكر صحبة الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب، وهو مقدم العسكر، فسار إلى مكة، فوصل في السادس والعشرين من جمادى الأولى، ودخلها وأقام بها حتى قدمت المراكب بالغلال وغيرها من مصر إلى جدة، وتقدم الخادم كافور الشبيلي خادم الملك المجاهد إلى زبيد ليعلم مولاه العساكر، وكتب الأمير ركن الدين بيبرس بن الحاجب، وهو مقدم العسكر إلى أهل حلي بني يعقوب بالأمان، وأن يجلبوا البضائع للعسكر، ورحل العسكر في خامس جمادى الآخرة من مكة، ومعه الشريف عطفة والشريف عقيل، وتأخر الشريف رميثة، فوصل العسكر إلى حلي بني يعقوب في اثني عشر يوماً، فتلقاهم أهلها، ودهشوا لرؤية العساكر، فنودي فيهم بالأمان، ورحل العسكر بعد ثلاثة أيام في العشرين منه، فقدمت الأخبار باجتماع رأي أهل زبيد على الدخول في طاعة الملك المجاهد خوفاً من معرة قدوم العسكر المصري، وأنهم ثاروا بالمتملك عليهم وهو الملك الظاهر، ونهبوا أمواله ففر عنهم، وكتبوا إلى المجاهد بذلك، فقوي ونزل من قلعة تعز يريد زبيد، فكتب أمراء العسكر المصري إليه، وهم قرب حدود اليمن، بأن يكون على أهبة اللقاء، ونزل العسكر على زبيد، ووافاهم المجاهد بجنده، فسخر منهم الناس من أجل أنهم عراة، وسلاحهم الجريد والخشب، وسيوفهم مشدودة على أذرعتهم، ويقاد للأمير فرس واحد مجلل، وعلى رأس المجاهد عصابة ملونة فوق العمامة، وعندما عاين المجاهد العساكر المصرية وهي لابسة ألة الحرب رعب، ومضى العسكر صفين والأمراء في الوسط حتى قربوا منه، فألقى المجاهد نفسه ومن معه إلى الأرض، وترجل له أيضاً الأمراء وأكرموه وأركبوه في الوسط، وساروا إلى المخيم، وألبسوه تشريفاً سلطانياً وقرئ كتاب السلطان، فباسوا بأجمعهم الأرض، وقالوا سمعاً وطاعة، وكتب الأمير بيبرس لممالك اليمن بالحضور، فحضروا، ولم يجهز الملك المجاهد للعسكر شيئاً من الإقامات، وعنفه الأمير بيبرس على ذلك، فاعتذر بخراب البلاد، وكتب لهم على البلاد بغنم وأذرة، وسار المجاهد إلى تعز لتجهيز الإقامات، ومعه الأميران سيف الدين ططر العفيفي السلاح الدار وسيف الدين قجمار في مائتي فارس، وتأخر العسكر بزبيد، وعادت قصاد الأمراء بغير شيء فرحل العسكر من زبيد في نصف رجب يريدون تعز، فتلقاهم المجاهد، ونزلوا خارج البلد، وشكوا ما هم فيه من قلة الإقامات، فوعد بخير، وكتب الأمراء إلى الملك الظاهر المقيم بدملوة، وبعثوا إليه الشريف عطفة أمير مكة وعز الدين الكوندكي، وكتب إليه المجاهد أيضاً يحثه على الطاعة، وأقام العسكر في جهد، فأغاروا على الضياع، وأخذوا ما قدروا عليه، واتهم أن ذلك بمواطأة المجاهد خوفاً من العسكر أن يملك منه البلاد، ثم إن أهل جبل صبر قطعوا الماء عن العسكر، وتخطفوا الجمال والغلمان، وزاد أمرهم إلى أن ركب العسكر في طلبهم، فامتنعوا بالجبل، ورموا بالمقاليع على العسكر، فرموهم بالنشاب، وأتاهم المجاهد فخذلهم عن الصعود إلى الجبل، فلم يعبأوا بكلامه، ونازلوا الجبل يومهم، ففقد من العسكر ثمانية من الغلمان، وبات العسكر تحته، فبلغ بيبرس أن المجاهد قرر مع أصحابه بأن العسكر إذا صعد الجبل يضرمون النار في الوطاق وينهبون ما فيه، فبادر بيبرس وقبض على بهاء الدين بهادر الصقري وأخذ موجوده، ووسطه قطعتين وعلقه على الطريق، ففرح أهل تعز بمثله، وكان بهادر قد تغلب على زبيد، وتسمى بالسلطنة، وتلقب بالملك الكامل، وظل متسلطاً عليها، حتى طرده أهلها عند قدوم العسكر، وقدم الشريف عطفة والكوندكي من عند الملك الظاهر صاحب دملوة، وأخبرا بأنه في طاعة السلطان، وطلب بيبرس من المجاهد ما وعد به السلطان، فأجاب بأنه لا قدرة له إلا بما في دملوة فأشهد عليه بيبرس قضاة تعز بذلك، وأنه أذن للعسكر في العود، لخراب البلاد وعجزه عما يقوم به للسلطان، وأنه امتنع بقلعة تعز، ورحل العسكر إلى حلي بني يعقوب، فقدمها في تاسع شعبان، ورحلوا منها أول رمضان إلى مكة، فدخلوها في حادي عشره بعد مشقة زائدة، وساروا من مكة يوم عيد الفطر، وقدموا بركة الحاج أول يوم ذي القعدة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً