كانت بين أبي العباس المعتضد وبين خمارويه ابن أحمد بن طولون، وذلك أن المعتضد سار من دمشق، بعد أن ملكها نحو الرملة إلى عساكر خمارويه، فأتاه الخبر بوصول خمارويه إلى عساكره، وكثرة من معه من الجموع، فهم بالعود، فلم يمكنه من معه من أصحاب خمارويه الذين صاروا معه؛ وكان المعتضد قد أوحش ابن كنداجيق، وابن أبي الساج، ونسبهما إلى الجبن، حيث انتظراه ليصل إليهما ففسدت نياتهما معه، ولما وصل خمارويه إلى الرملة نزل على الماء الذي عليه الطواحين، فملكه، فنسبت الوقعة إليه؛ ووصل المعتضد وقد عبأ أصحابه، وكذلك أيضاً فعل خمارويه، وجعل له كميناً عليهم سعيداً الأيسر، وحملت ميسرة المعتضد على ميمنة خمارويه، فانهزمت، فلما رأى ذلك خمارويه، ولم يكن رأى مصافاً قبله، ولى منهزماً في نفر من الأحداث الذين لا علم لهم بالحرب، ولم يقف دون مصر، ونزل المعتضد إلى خيام خمارويه، وهو لا يشك في تمام النصر، فخرج الذين عليهم سعيد الأيسر، وانضاف إليه من بقي من جيش خمارويه، ونادوا بشعارهم، وحملوا على عسكر المعتضد وهم مشغولون بنهب السواد، ووضع المصريون السيف فيهم، وظن المعتضد أن خمارويه قد عاد، فركب فانهزم ولم يلو على شيء، فوصل إلى دمشق، ولم يفتح له أهلها بابها فمضى منهزماً حتى بلغ طرسوس، وبقي العسكران يضطربان بالسيوف، وليس لواحد منهما أمير، وطلب سعيد الأيسر خمارويه فلم يجده، فأقام أخاه أبا العشائر، وتمت الهزيمة على العراقيين، وقتل منهم خلق كثير وأسر كثير، وقال سعيد لعساكر: إن هذا أخو صاحبكم، وهذه الأموال تنفق فيكم؛ ووضع العطاء، فاشتغل الجند عن الشغب بالأموال، وسيرت البشارة إلى مصر، ففرح خمارويه بالظفر، وخجل للهزيمة، غير أنه أكثر الصدقة، وفعل مع الأسرى فعلة لم يسبق إلى مثلها أحد قبله، فقال لأصحابه: إن هؤلاء أضيافكم فأكرموهم؛ ثم أحضرهم بعد ذلك وقال لهم: من اختار المقام عندي فله الإكرام والمواساة، ومن أراد الرجوع جهزناه وسيرناه؛ فمنهم من قام ومنهم من سار مكرماً؛ وعادت عساكر خمارويه إلى الشام أجمع، فاستقر ملك خمارويه له.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً