فشى الطاعون في الوجه البحري، سيما في التحريرية ودمنهور، فمات خلق كثير جداً بحيث أحصي من مات من أهل المحلة زيادة على خمسة آلاف إنسان، ومن ناحية صا زيادة على ستمائة إنسان وكان قد وقع بغزة والقدس وصفد ودمشق في شعبان في السنة الماضية طاعون، واستمر إلى هذا الشهر، وعد هذا من النوادر، فإن الوقت شتاء، وما عهد فيما أدركناه وقوع الطاعون إلا في فصل الربيع، ويعلل الأطباء ذلك بسيلان الأخلاط في الربيع، وجمودها في الشتاء ولكن الله يفعل ما يريد، وقدم الخبر بشناعة الطاعون بمدينة برصا من بلاد الروم، وأنه زاد عدد من يموت بها في كل يوم على ألفي وخمسمائة إنسان، وأما القاهرة فإنه جرى على ألسنة غالب الناس منذ أول العام أنه يقع في الناس عظيم، حتى لقد سمعت الأطفال تتحدث بهذا في الطرقات، فلما أهل شهر ربيع الآخر هذا: كانت عدة من ورد الديوان فيه من الأموات اثني عشر إنساناً، وأخذ يتزايد في كل يوم حتى بلغت عدة من ورد الديوان بالقاهرة في يوم الأربعاء سلخه ثمانية وأربعين إنساناً، وجملة من أحصاه ديوان القاهرة في الشهر كله أربعمائة وسبعة وسبعون إنساناً، وبلغ ديوان المواريث بمدينة مصر دون ذلك، هذا سوى من مات بالمارستان، ومن جهز من ديوان الطرحاء على الطرقات من الفقراء، وهم كثير، في شهر جمادى الأولى شنع الموتان الوحي السريع بالطاعون، والنزلات التي تنحدر من الدماغ إلى الصدر، فيموت الإنسان في أقل من ساعة، بغير تقدم مرض، وكان أكثر في الأطفال والشباب، ثم في العبيد والإماء، وأقله في النساء والرجال، وتجاوز في مدينة مصر الفسطاط المائتين في كل يوم، سوى من لم يرد الديوان، وتجاوز في القاهرة الثلاثمائة سوى من لم يرد الديوان، وضبط من صلي عليه في مصليات الجنائز فبلغت عدتهم تزيد على ما أوردوه في ديوان المواريث زيادة كثيرة، وبلغت عدة من مات بالنحريرية - خاصة - إلى هذا الوقت تسعة آلاف، سوى من لم يعرف، وهم كثر جداً، وبلغت عدة الأموات بالإسكندرية في كل يوم نحو المائة، وشمل الوباء عامة البحيرة الغربية والقليوبية، ثم بدأ يتناقص من شهر رجب ومات في هذا الوباء - على أقل ما قيل - مائة ألف إنسان والمجازف يقول المائة ألف من القاهرة فقط، سوى من مات بالوجه القبلي والوجه البحري، وهم مثل ذلك، وكان هذا الطاعون أعظم من هذه الطواعين كلها وأفظعها، ولم يقع بالقاهرة ومصر بعد الطاعون العام الذي كان سنة تسع وأربعين وسبعمائة نظير هذا الطاعون، وخالف هذا الطاعون الطواعين الماضية في أمور كثيرة، منها أنه وقع في الشتاء وارتفع في فصل الربيع، وكانت الطواعين تقع في فصل الربيع وترتفع في أوائل الصيف.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً