في الوقت الذي بدأ فيه الضعف يدب في أوصال الدولة السلجوقية كانت الدولة الخوارزمية تزداد قوة، حتى تمكنت من إزاحة دولة السلاجقة والاستيلاء على ما كان تحت يديها من بلاد، وكان السلطان "تكش" بطل هذه المرحلة، وتعد فترة حكمه التي امتدت أكثر من ربع قرن (٥٦٨ - ٥٩٦هـ = ١١٧٣ - ١٢٠٠م) العصر الذهبي للدولة الخوارزمية. ولما توفي "تكش" سنة (٥٩٦هـ = ١١٩٩م) خلفه ابنه "علاء الدين محمد"، وكان كأبيه طموحًا يتطلع إلى توسيع دولته وبسط نفوذها، فدخل في حروب مع جيرانه، فاستولى على معظم إقليم خراسان، وقضى على دولة الخطا سنة (٦٠٦هـ = ١٢٠٩م)، واستولى على بلاد ما وراء النهر، وأخضع لسلطانه مكران وكرمان والأقاليم الواقعة غربي نهر السند، وسيطر على ممتلكات دولة الغور في أفغانستان، وبلغت بذلك الدولة أقصى اتساعها في عهده، حيث امتدت من حدود العراق العربي غربًا إلى حدود الهند شرقًا، ومن شمال بحر قزوين وبحر آرال شمالاً إلى الخليج العربي والمحيط الهندي جنوبًا. وتزامن مع اتساع الدولة الخوارزمية وازدياد نفوذها ظهور المغول وبروز دولتهم على يد "جنكيزخان" الذي نجح في السيطرة على قبائل المغول، وإحكام قبضته عليهم، وما كاد يهل عام (٦٠٢هـ=١٢٠٦م) حتى كان قد أخضع لسلطانه كل بدو صحراء جوبي. وبعد أن رسخت أقدام جنكيزخان ووثق من قوته تطلع إلى توسيع رقعة دولته، وانطلق بجيشه نحو بلاد ما وراء النهر في خريف سنة (٦١٦هـ= ١٢١٩م) وتوالت هزائم الدولة الخوارزمية على يديه. وكانت الهزائم التي لقيها السلطان الخوارزمي قاسية فسقطت الدولة المترامية في سنوات قليلة، ولم يعد أمام السلطان سوى التوجه إلى مكان آمن يعيد فيه تنظيم جيشه ويعاود الجهاد حتى يسترد ما فقده، لكنها كانت أحلام بددها إصرار جنكيزخان على تتبع السلطان الفار من بلد إلى آخر، وجند المغول تطارده، حتى انتهى به المطاف إلى همدان في نحو عشرين ألفا من جنوده. وفي هذه الأثناء تمكن المغول من السيطرة على إقليم خوارزم، أهم ولايات الدولة، وأسروا تركان خان والدة السلطان ومن معها من أبنائه وبناته، فلما قُدّموا إلى جنكيزخان أمر بقتل أبناء السلطان محمد خوارزم وكانوا صغار السن، وزوّج أبناءه وبعض رجاله من بنات السلطان. وما كادت تصل هذه الأنباء المفجعة إلى السلطان حتى ازداد غمًا على غم، وأصابه الحزن والهم، وكان قد انتهى به الفرار إلى جزيرة في بحر قزوين، يحوطه اليأس والقنوط، فسيطر عليه القلق، وحلت به الأمراض، حتى أسلم الروح في (١٣ من شوال ٦١٧هـ=٩ من ديسمبر ١٢٢٠م)، وقبل وفاته أوصى لابنه جلال الدين منكبرتي بالسلطة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً