في يوم الجمعة تاسع ربيع الآخر ثارت العامة يداً واحدة، وهدموا كنيستين متقابلتين بالزهري، وكنيسة بستان السكري وتعرف بالكنيسة الحمراء، وبعض كنيستين بمصر ولما كان يوم الجمعة تاسع ربيع الآخر بطل العمل وقت الصلاة لاشتغال الأمراء بالصلاة، فاجتمع من الغلمان والعامة طائفة كبيرة، وصرخوا صوتاً واحداً الله أكبر، ووقعوا في أركان الكنيسة بالمساحي والفؤوس حتى صارت كوماً، ووقع من فيها من النصارى، وانتهب العامة ما كان بها، والتفتوا إلى كنيسة الحمراء المجاوره لها، وكانت من أعظم كنائس النصارى، وفيها مال كبير، وعدة من النصارى ما بين رجال ونساء مترهبات فصعدت العامة فوقها، وفتحوا أبوابها ونهبوا أموالها وخمورها، وانتقلوا إلى كنيسة بومنا بجوار السبع سقايات، وكانت معبداً جليلاً من معابد النصارى، فكسروا بابها ونهبوا ما فيها، وقتلوا منها جماعة، وسبوا بنات كانوا بها تزيد عدتهن على ستين بكراً فما انقضت الصلاة حتى ماجت الأرض، فلما خرج الناس من الجامع رأوا غباراً ودخان الحريق قد ارتفعا إلى السماء، وما في العامة إلا من بيده بنت قد سباها أو جرة خمر أو ثوب أو شيء من النهب، فدهشوا وظنوا أنها الساعة قد قامت، وقدم مملوك والي مصر وأخبر بأن عامتها قد تجمعت لهدم كنيسة المعلقة حيث مسكن البطرق وأموال النصارى، ويطلب نجدة، فلشدة ما نزل بالسلطان من الغضب هم أن يركب بنفسه، ثم أردف أيدغمش بأربعة أمراء ساروا إلى مصر، وبعث بيبرس الحاجب، وألماس الحاجب إلى موضع الحفر، وبعث طينال إلى القاهرة، ليضعوا السيف فيمن وجدوه، فقامت القاهرة ومصر على ساق، وفرت النهابة، فلم تدرك الأمراء منهم إلا من غلب على نفسه بالسكر من الخمر، وأدرك الأمير أيدغمش والي مصر وقد هزمته العامة من زقاق المعلقة، وأنكوا مماليكه بالرمي عليهم، ولم يبق إلا أن يحرقوا أبواب الكنيسة، فجرد هو ومن معه السيوف ليفتك بهم، فرأى عالماً عظيماً لا يحصيهم إلا خالقهم، فكف عنهم خوف اتساع الخرق، ونادى من وقف فدمه حلال، فخافت العامة أيضاً وتفرقوا، ووقف أيدغمش يحرس المعلقة إلى أن أذن العصر، فصلى بجامع عمرو، وعين خمسين أوشاقيا للمبيت مع الوالي على باب الكنيسة، وعاد، وكان كأنما نودي في إقليم مصر بهدم الكنائس، وأول ما وقع الصوت بجامع قلعة الجبل: وذلك أنه لما انقضت صلاة الجمعة صرخ رجل موله في وسط الجامع: " اهدموا الكنيسة التي في القلعة "، وخرج في صراخه عن الحد واضطرب، فتعجب السلطان والأمراء منه، وندب نقيب الجيش والحاجب لتفتيش سائر بيوت القلعة، فوجدوا كنيسة في خرائب التتر قد أخفيت، فهدموها، وما هو إلا أن فرغوا من هدمها والسلطان يتعجب إذ وقع الصراخ تحت القلعة، وبلغه هدم العامة للكنائس، وطلب الرجل الموله فلم يوجد، وعندما خرج الناس من صلاة الجمعة بالجامع الأزهر من القاهرة رأوا العامة في هرج عظيم، ومعهم الأخشاب والصلبان والثياب وغيرها، وهم يقولون:" السلطان نادى بخراب الكنائس "، فظنوا الأمر كذلك، وكان قد خرب من كنائس القاهرة سوى كنيستي حارة الروم وحاره زويلة وكنيسة بالبندقانيين كنائس كثيرة، ثم تبين أن ذلك كان من العامة بغير أمر السلطان، فلما كان يوم الأحد حادي عشره: سقط الطائر من الإسكندرية بأنه لما كان الناس في صلاة الجمعة تجمع العامة وصاحوا هدمت الكنائس، فركب الأمير بدر الدين المحسني متولي الثغر بعد الصلاة ليدرك الكنائس، فإذا بها قد صارت كوماً، وكانت عدتها أربع كنائس، ووقعت بطاقة من والي البحيرة بأن العامة هدمت كنيستين في مدينة دمنهور، والناس في صلاة الجمعة، ثم ورد مملوك والي قوص في يوم الجمعة سابع عشره، وأخبر بأنه لما كان يوم الجمعة هدم العامة ست كنائس بقوص في نحو نصف ساعة، وتواترت الأخبار من الوجه القبلي والوجه البحري بهدم الكنائس وقت صلاة الجمعة، فكثر التعجب من وقوع هذا الاتفاق في ساعة واحدة بسائر الأقاليم، وكان الذي هدم في هذه الساعة من الكنائس ستون كنيسة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً