[طرابلس وليبيا – حكمها الأسبان ومن بعدهم فرسان القديس يوحنا.]
العام الهجري:٩١٦
الشهر القمري:جمادى الأولى
العام الميلادي:١٥١٠
تفاصيل الحدث:
من أقوى الأسباب التي هيأت للأسبان احتلال طرابلس هو ضعف الحامية فيها، وانصراف الناس إلى تنمية المال، وإلى متع الحياة عن الاهتمام بتقوية الجيش وتحصين القلاع. ومن المناسبات التي انتهزها الأسبان للتعجيل باحتلال طرابلس، أنه في سنة ٩١٦هـ - وهي سنة الاحتلال - وقع خلاف بين أحمد الحفصي وبين والده الناصر؛ فذهب إلى الأسبان يستنجد بهم على أبيه فاستعد الإسبان لغزو طرابلس؛ فجهزوا ١٢٠ قطعة بحرية، وانضم إليها سفن أخرى من مالطة، وشحنت بخمسة عشر ألف جندي من الأسبان، وثلاثة آلاف من الإيطاليين والمالطيين. وفي ٨ من ربيع الآخر سنة ٩١٦هـ، أقلع الأسطول من فافينيانا، ومرّ بجزيرة قوزو بمالطة فتزود منها بالماء، وانضم إلى الجيش خبير مالطي اسمه جوليانو بيلا، له معرفة بطرابلس. وقد أعدت هذه الحملة بإشراف نائب الملك في صقلية، وبإعانة الجيوش الصقلية والإيطالية. وقد تسربت أخبار هذه الحملة إلى طرابلس قبل تحركها بنحو شهر؛ فأخذ الناس في الهجرة منها إلى غريان، وتاجورة، ومسلاتة، وأخذوا معهم كل ما كان مهما من أموالهم، وما أمكنهم من أثقال متاعهم، ولم يبق بالمدينة إلا المحاربون، وبعض السكان الذين لم يقدروا على الفرار، وانحازوا إلى قصر الحكومة والجامع الكبير، وصعد المحاربون فوق الأسوار وعلى القلاع. أنزلت الجيوش في القوارب وكانت بقيادة بييترونافارو، وفي الصباح، بدأ الهجوم وأطلقت السفن مدافعها على الأسوار وقصر الحكومة. ونزل الجيش المكلف بمنع العرب من الاتصال بالمدينة إلى البر بجهة سيدي الشعاب لمنع الاتصال بالمدينة. واندفع الجيش الأسباني نحو المدينة تحميه مدافع الأسطول؛ فاحتل البرج القائم على باب العرب وبعض الأسوار. وتمكن الأسبان من فتح باب النسور، واتصل الجيش الخارجي بالجيش الداخلي واستبسل الطرابلسيون في الدفاع. وجاء في رسالة القائد نافارو أنه لم يخل موضع قدم في المدينة من قتيل، ويقدر عدد القتلى بخمسة آلاف، والأسرى بأكثر من ستة آلاف، وتغلب الأسبان على مقاومة العرب العنيفة، واحتل قصر الحكومة عنوة، وقد حمي وطيس المعركة حينما تمكن حامل العلم الأسباني من نصبه على برج القصر. وأبدى من التجأوا إلى الجامع الكبير مقاومة شديدة، فقتل منهم نحو ألفي طرابلسي بين رجال ونساء وأطفال. وقتل من الأسبان ثلاثمائة رجل، وكان من بين الموتى كولونيل كبير في الجيش، وأميرال الأسطول، وقبل أن تغرب شمس يوم ١٨ من ربيع الآخر من هذه السنة، سقطت مدينة طرابلس في يد الأسبان، بعد أن أريقت دماء الطرابلسيين في كل بقعة منها، ولكثرة القتلى فقد ألقيت جثثهم في صهاريج الجوامع وفي البحر وأحرق بعضها بالنار. وأقام نائب البابا احتفالات الفرح بسقوط هذه المدينة العربية الإسلامية في أيدي المسيحيين. وأرسل القسيس أمريكودامبواس رئيس منظمة فرسان القديس يوحنا إلى فرديناند ملك أسبانيا تهنئة، ويرجوه أن يتابع فتوحاته في أفريقية. وعلى الجانب الآخر فقد استاء المسلمون لهذا الاحتلال، وقابله الطرابلسيون المقيمون في الإسكندرية إذ ذاك، بإحراق فندق للأسبان في المدينة. انتهز الطرابلسيون المعسكرون خارج السور غياب القائد الأسباني نافارو وأسطوله، وانقضوا على المدينة وتسلقوا سورها، ولكنهم لم يوفقوا فرجعوا أدراجهم .. وهو ما دفع محمد بن حسن الحفصي إلى إعانة طرابلس؛ فجمع جيشا كبيرا بقيادة محمد أبي الحداد قائد توزر، وكان من أكبر قواده، ووصل طرابلس ونزل خارج السور وانضم إلى هذا الجيش المحاربون الطرابلسيون، وهاجموا المدينة في ذي الحجة من هذه السنة, ولكنهم لم يظفروا منها بطائل. وظل يحكم طرابلس فرسان القديس يوحنا حتى سنة ١٥٣٠م عندما منحها شارل الخامس إمبراطور الإمبراطورية الرومانية لهم الذين صاروا يعرفون في ذلك الوقت بفرسان مالطا.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً