أبو عبد الله محمد بن الشيخ المفتي زين الدين عمر بن مكي بن عبد الصمد المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل شيخ الشافعية في زمانه، وأشهرهم في وقته بكثرة الاشتغال والمطالعة والتحصيل والافتنان بالعلوم العديدة، وقد أجاد معرفة المذهب والأصلين، ولم يكن بالنحو بذاك القوي، وكان يقع منه اللحن الكثير، مع أنه قرأ منه المفصل للزمخشري، وكانت له محفوظات كثيرة، ولد في شوال سنة خمس ستين وستمائة، وسمع الحديث على المشايخ، من ذلك مسند أحمد على ابن علان، والكتب الستة، وكان يتكلم على الحديث بكلام مجموع من علوم كثيرة، من الطب والفلسفة وعلم الكلام، وليس ذلك بعلم، وعلوم الأوائل، وكان يكثر من ذلك، وكان يقول الشعر جيدا، وله ديوان مجموع مشتمل على أشياء لطيفة، وكان له أصحاب يحسدونه ويحبونه، وآخرون يحسدونه ويبغضونه، وكانوا يتكلمون فيه بأشياء ويرمونه بالعظائم، وقد كان مسرفا على نفسه قد ألقى جلباب الحياء فيما يتعاطاه من القاذورات والفواحش، وكان ينصب العداوة للشيخ ابن تيمية ويناظره في كثير من المحافل والمجالس، وكان يعترف للشيخ تقي الدين بالعلوم الباهرة ويثني عليه، ولكنه كان يجاحف عن مذهبه وناحيته وهواه، وينافح عن طائفته، وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية يثني عليه وعلى علومه وفضائله ويشهد له بالإسلام إذا قيل له عن أفعاله وأعماله القبيحة، وكان يقول: كان مخلطا على نفسه متبعا مراد الشيطان منه، يميل إلى الشهوة والمحاضرة، ولم يكن كما يقول فيه بعض أصحابه ممن يحسده ويتكلم فيه هذا أو ما هو في معناه، وقد درس بعدة مدارس بمصر والشام، ودرس بدمشق بالشاميتين والعذراوية ودار الحديث الأشرفية وولي في وقت الخطابة أيام يسيرة، ثم قام الخلق عليه وأخرجوها من يده، ولم يرق منبرها، ثم خالط نائب السلطنة الأفرم فجرت له أمور لا يمكن ذكرها ولا يحسبن من القبائح ثم آل به الحال على أن عزم على الانتقال من دمشق إلى حلب لاستحوازه على قلب نائبها، فأقام بها ودرس، ثم استقر به المنزل بمصر ودرس فيها بمشهد الحسين إلى أن توفي بها بكرة نهار الأربعاء رابع عشرين ذي الحجة بداره قريبا من جامع الحاكم، ودفن من يومه قريبا من الشيخ محمد بن أبي جمرة بتربة القاضي ناظر الجيش بالقرافة، ولما بلغت وفاته دمشق صلي عليه بجامعها صلاة الغائب, ورثاه جماعة منهم ابن غانم علاء الدين، والقجقازي والصفدي، لأنهم كانوا من عشرائه.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً