للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طاعون وموت عظيم بأفريقيا.]

العام الهجري:٧٥٣

الشهر القمري:ربيع الأول

العام الميلادي:١٣٥٢

تفاصيل الحدث:

عم الموت أهل جزيرة الأندلس، إلا مدينة غرناطة، فإنه لم يصب أهلها منه شيء، وباد من عداهم حتى لم يبق للفرنج من يمنع أموالهم، فأتتهم العرب من إفريقية تريد أخذ الأموال إلى أن صاروا على نصف يوم منها، مرت بهم ريح، فمات منهم على ظهور الخيل جماعة كثيرة، ودخلها باقيهم، فرأوا من الأموات ما هالهم، وأموالهم ليس لها من يحفظها، فأخذوا ما قدروا عليه، وهم يتساقطون موتى فنجا من بقى منهم بنفسه، وعادوا إلى بلادهم، وقد هلك أكثرهم، والموت قد فشا بأرضهم، بحيث مات منهم في ليلة واحدة عدد عظيم، وماتت مواشيهم ودوابهم كلها، وعم الموتان أرض إفريقية بأسرها، جبالها وصحاريها ومدنها، وجافت من الموتى، وبقيت أموال العربان سائبة لا تجد من يرعاها، ثم أصاب الغنم داء، فكانت الشاة إذا ذبحت وجد لحمها منتناً قد اسود، وتغير أيضاً ريح السمن واللبن، وماتت المواشي بأسرها، وشمل الوباء أيضاً أرض برقة إلى الإسكندرية، فصار يموت بها في كل يوم مائة، ثم مات بالإسكندرية في اليوم مائتان، وشنع ذلك حتى أنه صلى في يوم الجمعة بالجامع الإسكندري دفعة واحدة على سبعمائة جنازة، وصاروا يحملون الموتى على الجنويات والألواح وغلفت دار الطراز لعدم الصناع، وغلقت دار الوكالة لعدم الواصل إليها، وغلقت الأسواق وديوان الخمس، وقدم مركب فيه إفرنج، فأخبروا أنهم رأوا بجزيرة طرابلس مركباً عليه طير يحوم في غاية الكثرة، فقصدوه، فإذا جميع من فيه من الناس موتى، والطير تأكلهم، وقد مات من الطير أيضاً شيء كثير، فتركوهم ومروا، فما وصلوا إلى الإسكندرية حتى مات زيادة على ثلثيهم، وفشى الموت بمدينة دمنهور، وتروجة، والبحيرة كلها حتى عم أهلها، وماتت دوابهم فبطل من الوجه البحري سائر الضمانات، والموجبات السلطانية، وشمل الموت أهل البرلس نستراوه، وتعطل الصيد من البحيرة لموت الصيادين، وكان يخرج بها في المركب عدة من الصيادين لصيد الحوت، فيموت أكثرهم في المركب، ويعود من بقي منهم، فيموت بعد عوده من يومه هو وأولاده وأهله، ووجد في حيتان البطارخ شيء منتن، وفيه على رأس البطرخة كبة قدر البندقة قد اسودت ووجد في جميع زراعات البرلس وبلحها وقثائها دود، وتلف أكثر ثمر النخل عندهم، وصارت الأموات على الأرض في جميع الوجه البحري، لا يوجد من يدفنها، وعجز أهل بلبيس وسائر بلاد الشرقية عن ضم الزرع؛ لكثرة موت الفلاحين، وكان ابتداء الوباء عندهم من أول فصل الصيف، وذلك في أثناء ربيع الآخر.

(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً

<<  <  ج: ص:  >  >>