حصل بالقاهرة ومصر في مدة نصب القلاع والزينة من الفساد في الحريم وشرب الخمور ما لا يمكن وصفه، من خامس شهر رمضان إلى أن قلعت في أواخر شوال، فلما كان يوم الخميس ثالث عشرى ذي الحجة: عند صلاة الصبح اهتزت الأرض كلها، وسمع للحيطان قعقة وللسقوف أصوات شديدة، وصار الماشي يميل والراكب يسقط حتى تخيل الناس أن السماء أطبقت على الأرض، فخرجوا في الطرقات رجالاً ونساء، قد أعجلهم الخوف والفزع عن ستر النساء وجوههن واشتد الصراخ وعظم الضجيج والعويل، وتساقطت الدور وتشققت الجدران، وتهدمت مآذن الجوامع والمدارس، وخرجت رياح عاصفة، ففاض ماء النيل حتى ألقى المراكب التي كانت بالشاطئ قدر رمية سهم، وعاد الماء عنها فصارت على اليبس وتقطعت مراسيها، واقتلع الريح المراكب السائرة في وسط الماء، وحذفها إلى الشاطئ، وفقد للناس من الأموال شيء كثير: بسبب النهب، وصار الناس إلى خارج القاهرة، وبات أكثرهم خارج باب البحر، ونصبوا الخيم من بولاق إلى الروضة، ولم تكد دار بالقاهرة ومصر تسلم من الهدم، أو تشعث بعضها، وسقطت الزروب التي بأعلى الدور، ولم تبق دار إلا وعلى بابها التراب والطوب ونحوه، وبات الناس ليلة الجمعة بالجوامع والمساجد، يدعون الله إلى وقت صلاة الجمعة، وتواترت الأخبار من الغربية بسقوط جميع دور مدينة سخا، حتى لم يبق بها جدار قائم وصارت كوماً، وأن ضيعتين بالشرقية خربتا حتى صارتا كوماً، وقدم الخبر من الإسكندرية بأن المنار انشق وسقط من أعلاه نحو الأربعين شرفة، وأن البحر هاج وألقى الريح العاصف موجه حتى وصل باب البحر وصعد بالمراكب الإفرنجية على البر، وسقط جانب كبير من السور، وهلك خلق كثير، وقدم الخبر من الوجه القبلي بأن في اليوم المذكور هبت ريح سوداء مظلمة حتى لم ير أحد أحدا قدر ساعة، ثم ماجت الأرض وتشققت وظهر من تحتها رمل أبيض، وفي بعض المواضع رمل أحمر، وكشطت الريح مواضع من الأرض فظهرت عمائر قد ركبها السافي، وخربت مدينة قوص، وأن رجلاً كان يحلب بقرة فارتفع في وقت الزلزلة وبيده المحلب، وارتفعت البقرة حتى سكنت الزلزلة، ثم انحط إلى مكانه من غير أن يتبدد شيىء من اللبن الذي في المحلب، وقدم الخبر من البحيرة أن دمنهور لم يبق بها بيت عامر، وخرب من المواضع المشهورة جامع عمرو بن العاص بمصر، وخربت أكثر سواري الجامع الحاكمي بالقاهرة وسقطت مأذنتاه، وخرب الجامع الأزهر، وخرب جامع الصالح خارج باب زويلة وخربت مأذنة المنصورية، وسقطت مأذنة جامع الفكاهين، وقدم البريد من صفد أنه في يوم الزلزلة سقط جانب كبير من قلعة صفد، وأن البحر من جهة عكا انحسر قدر فرسخين وانتقل عن موضعه إلى البر، فظهر في موضع الماء أشياء كثيرة في قعر البحر من أصناف التجارة، وتشققت جدر جامع بنى أمية بدمشق، واستمرت الزلزلة خمس درج، إلا أن الأرض أقامت عشرين يوماً ترجف، وهلك تحت الردم خلائق لا تحصى، وكان الزمان صيفاً، فتولى بعد ذلك سموم شديدة الحر عدة أيام، واشتغل الناس بالقاهرة ومصر مدة في رم ما تشعث وبني ما هدم، وغلت أصناف العمارة لكثرة طلبها، فكان في ذلك لطف من الله بعباده، فإنهم رجعوا عن بعض ما كانوا عليه من اللهو والفساد أيام الزينة، وفيهم من أقلع عن ذلك لكثرة توارد الأخبار من بلاد الفرنج وسائر الأقطار، مما كان من هذه الزلزلة، وكل ذلك مما كسبت أيدي الناس.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً