استفحل أمر الفارس أقطاي الجمدار وانحازت إليه البحرية، بحيث كان أقطاي إذا ركب من داره إلى القلعة شغل بين يديه جماعة بأمره، ولا ينكر هو ذلك منهم وكانت أصحابه تأخذ أموال الناس ونساءهم وأولادهم بأيديهم، فلا يقدر أحد على منعهم، وكانوا يدخلون الحمامات ويأخذون النساء منها غصباً، وكثر ضررهم كثيرا، هذا والمعز يحصل الأموال، وقد ثقل عليه أقطاي، فواعد طائفة من مماليكه على قتله، وبعث المعز إليه وقت القائلة من يوم الأربعاء ثالث شعبان، ليحضر إليه بقلعة الجبل في مشورة يأخذ رأيه فيها، فركب أقطاي على غير أهبة ولا اكتراث فعندما دخل من باب القلعة، وصار في القاعة أغلق باب القلعة، ومنع مماليكه من العبور معه، فخرج عليه جماعة بالدهليز قد أعدوا لقتله وهم قطز وبهادر وسنجر الغنمي، فهبروه بالسيوف حتى مات، فوقع الصريخ في القلعة والقاهرة بقتله، فركب في الحال من أصحابه نحو السبعمائة فارس ووقفوا تحت القلعة، وفي ظنهم أنه لم يقتل وإنما قبض عليه، وأنهم يأخذونه من المعز، وكان أعيانهم بيبرس البندقداري، وقلاوون الألفي، وسنقر الأشقر، وبيسرى، وسكز، وبرامق، فلم يشعروا إلا ورأس أقطاي قد رمى به المعز إليهم، فسقط في أيديهم وتفرقوا بأجمعهم، وخرجوا في الليل من القاهرة وحرقوا باب القراطين فعرف بعد ذلك بالباب المحروق فمنهم من قصد الملك المغيث بالكرك، ومنهم من سار إلى الملك الناصر بدمشق، ومنهم من أقام ببلاد الغور والبلقاء والكرك والشوبك والقدس، يقطع الطريق ويأكل بقائم سيفه.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً