في تاسع عشرين جمادى الأول قدم محمد بن قارا، ومملوك نائب دمشق على البريد، بأن منطاش ونعر أمير العرب، وابن بزدغان التركماني، وابن أينال التركماني، حضروا في عساكر كثيرة إلى سلمية، فلقيهم محمد بن قارا على شيزر بالتراكمين، فقاتلهم، فقتل ابن بزدغان، وابن أينال وجرح منطاش وسقط عن فرسه، فلم يعرف لأنه حلق شاربه ورمى شعره، ثم أنه أدركه ابن نعير وأردفه خلفه، وانهزم بعد أن قتل من الفريقين عالم كبير، وحُملت رأس بن بزدغان وابن أينال إلى دمشق، وعلقتا على قلعتها، وفي ثامن جمادى الآخر قدم البريد بأن نعير بن حيار ومنطاش، كبسا حماة في عسكر كبير، فقاتلهم نائبي حماة وطرابلس، فانكسرا، ونهبت حماة، وأن جلبان نائب حلب سار بعسكر إلى أبيات نعير عندما بلغه ذلك، وأخذ ما قدر عليه من المال والخيل والجمال والنساء والأطفال، وأضرم النار فيما بقي، وأكمن كميناً، فما هو إلا أن سمع نعير بما نزل ببيوته رجع إليها بجمائعه، فخرج الكمين وقتل من العربان وأسر كثيراً، وقتل من عسكر حلب نحو المائة فارس، وعدة من الأمراء، وفي يوم الاثنين ثالث رمضان: قدم البريد من حلب بقبض منطاش، وذلك أن الأمير جلبان نائب حلب لم يزل يبذل جهده في أمر منطاش، حتى وافقه الأمير نعير على ذلك، وكان في طول هذه المدة مقيماً عنده ويغزو معه، فبعث جلبان شاد شراب خاناته كمشبغا إلى نعير في خمسة عشر فارساً، بعدما التزم له بإعادة إمرة العرب إليه، فلما قرب من أبيات نعير نزل وبعث يأمره بقبضه، فندب نعير أحد عبيده إلى منطاش يستدعيه إليه، فأحس بالشر، وهم بالفرار، فقبض العبد عنان فرسه وأدركه عبد آخر، وأنزلاه عن فرسه وأخذا سيفه، فبدر إلى سكين معه ضرب نفسه بها أربع ضربات، وأغشى عليه، وحمل إلى كمشبغا ومعه فرسه وأربع جمال، فسار به إلى حلب في أربعمائة فارس من عرب نعير، فكان لدخوله يوماً مشهوداً، وسجن بقلعتها، توجه الأمير سيف الدين طولو من علي باشا - أحد العشراوات - على البريد لإحضار منطاش، فسار إلى حلب، وعصره ليقر فلم يعترف بشيء، ثم ذبح، وحملت رأسه على رمح وطيف بها حلب، وسائر مدن الشام، حتى قدمت قلعة الجبل صحبة طُولُو في يوم الجمعة حادي عشرينه، علقت على باب القلعة، ثم طيف بها - على رمح - القاهرة ومصر، وعلقت على باب زويلة ثلاثة أيام، ثم حطت وسلمت إلى زوجته أم ولده، فدفنت.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً