انهزم السلطان سنجر من الأتراك الغز، وهم طائفة من الترك مسلمون، كانوا بما وراء النهر، فلما ملك الخطا أخرجوهم منه، فقصدوا خراسان وكانوا خلقاً كثيراً، فأقاموا بنواحي بلخ يرعون في مراعيها، فأراد الأمير قماج وهو مقطع بلخ، إبعادهم، فصانعوه بشيء بذلوه له، فعاد عنهم، فأقاموا على حالة حسنة لا يؤذون أحداً، ثم إن قماج عاودهم وأمرهم بالانتقال عن بلده، فامتنعوا، وانضم بعضهم إلى بعض، واجتمع معهم غيرهم من طوائف الترك، فسار قماج إليهم في عشرة آلاف فارس، فجاء إليه العسكر الخراساني بقربهم منهم أجفلوا من بين يديه هاربين لما دخل قلوبهم من خوفهم والرعب منهم؛ فلما فارقها السلطان والعسكر دخلها الغز ونهبوها أفحش نهب وأقبحه، وذلك في جمادى الأولى من السنة، وقتل بها كثير من أهلها وأعيانها، ولما خرج سنجر من مرو قصد اندرابة وأخذه الغز أسيراً، ثم عاودوا الغارة على مرو في رجب من السنة، فمنعهم أهلها، وقاتلوهم قتالاً بذلوا فيه جهدهم وطاقتهم، ثم إنهم عجزوا، فاستسلموا إليهم، فنهبوها أقبح من النهب الأول ولم يتركوا بها شيئاً، وكان قد فارق سنجر جميع أمراء خراسان ووزيره طاهر بن فخر الملك ابن نظام الملك، ولم يبق عنده غير نفر يسير من خواصه وخدمه؛ فلما وصلوا إلى نيسابور أحضروا الملك سليمان شاه ابن السلطان محمد، فوصل إلى نيسابور تاسع عشر من جمادى الآخرة من السنة، فاجتمعوا عليه، وخطبوا له بالسلطنة، وسار في هذا الشهر جماعة من العسكر السلطاني إلى طائفة كثيرة من الغز، فأوقعوا بهم، وقتلوا منهم كثيراً، وانهزم الباقون إلى أمرائهم الغزية فاجتمعوا معهم، ولما اجتمعت العساكر على الملك سليمان شاه ساروا إلى مرو يطلبون الغز، فبرز الغز إليهم، فساعة رآهم العسكر الخراساني انهزموا وولوا على أدبارهم، وقصدوا نيسابور، وتبعهم الغز، فمروا بطوس، فنهبوها، وسبوا نسائها، وقتلوا رجالها، وخربوا مساجدها ومساكن أهلها، ولم يسلم من جميع ولاية طوس إلا البلد الذي فيه مشهد علي بن موسى الرضي، ومواضع أخر لها أسوار، وساروا منها إلى نيسابور، فوصلوا إليها في شوال سنة تسع وأربعين، ولم يجدوا دونها مانعاً ولا مدافعاً، فنهبوها نهباً ذريعاً، وقتلوا أهلها، فأكثروا حتى ظنوا أنهم لم يبقوا بها أحداً، حتى إنه أحصي في محلتين خمسة عشر ألف قتيل من الرجال دون النساء والصبيان، وسبوا نسائها وأطفالها، وأخذوا أموالهم، وبقي القتلى في الدروب كالتلال بعضهم فوق بعض، واجتمع أكثر أهلها بالجامع المنيعي وتحصنوا به، فحصرهم الغز فعجز أهل نيسابور عن منعهم، فدخل الغز إليهم فقتلوهم عن آخرهم، وكانوا يطلبون من الرجل المال، فإذا أعطاهم الرجل ماله قتلوه، وقتلوا كثيراً من أئمة العلماء والصالحين وأحرقوا ما بها من خزائن الكتب ولم يسلم إلا بعضها. وحصروا شارستان، وهي منيعة، فأحاطوا بها، وقاتلهم أهلها من فوق سورها، وقصدوا جوين فنهبوها، وقاتلهم أهل بحراباذ من أعمال جوين، وبذلوا نفوسهم لله تعالى، وحموا بيضتهم والباقي أتى النهب والقتل عليه؛ ثم قصدوا أسفرايين فنهبوها وخربوها، وقتلوا في أهلها فأكثروا ولما فرغ الغز من جوين وأسفرايين عاودوا نيسابور، فنهبوا ما بقي فيها بعد النهب الأول، وكان قد لحق بشهرستان كثير من أهلها، فحصرهم الغز واستولوا عليها، ونهبوا ما كان فيها لأهلها ولأهل نيسابور، ونهبوا الحرم والأطفال، وفعلوا ما لم يفعله الكفار مع المسلمين، وكان العيارون أيضاً ينهبون نيسابور أشد من نهب الغز ويفعلون أقبح من فعلهم، ثم إن أمر الملك سليمان شاه ضعف، وكان قبيح السيرة سيء التدبير، وإن وزيره طاهر بن فخر الملك بن نظام الملك توفي في شوال سنة ثمان وأربعين فضعف أمره، واستوزر سليمان شاه بعده ابنه نظم الملك أبا علي الحسن بن طاهر وانحل أمر دولته بالكلية، ففارق خراسان في صفر سنة تسع وأربعين وعاد إلى جرجان، فاجتمع الأمراء وراسلوا الخان محمود بن محمد بن بغراخان، وهو ابن أخت السلطان سنجر، وخطبوا له على منابر خراسان، واستدعوه إليهم، فملكوه أمورهم، وانقادوا له في شوال سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وساروا معه إلى الغز وهم يحاصرون هراة، وجرت بينهم حروب كان الظفر في أكثرها للغز، ورحلوا في جمادى الأولى من سنة خمسين وخمسمائة من على هراة إلى مرو وعاودوا المصادرة لأهلها.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً