لما ملك صلاح الدين نصيبين، سار إلى الموصل، وكان عز الدين صاحبها ومجاهد الدين قد جمعا العساكر الكثيرة ما بين فارس وراجل، وأظهرا من السلاح وآلات الحصار ما حارت له الأبصار، وبذلا الأموال الكثيرة، وسار صلاح الدين حتى قارب الموصل، فرأى ما هاله وملأ صدره وصدور أصحابه، فإنه رأى بلداً عظيماً كبيراً، ورأى السور والفصيل علم أنه لا يقدر على أخذه، وأنه يعود خائباً، ثم رجع إلى معسكره وصبح البلد، وكان نزوله عليه في رجب، فنازله وضايقه، ونزل محاذي باب كندة، وأنزل صاحب الحصن بباب الجسر، وأنزل أخاه تاج الملوك عند الباب العمادي، وانشب القتال، فلم يظفر، فنصب منجنيقاً، فنصب عليه من البلد تسعة مجانيق، ثم إن صلاح الدين رحل من قرب البلد، ونزل متأخراً، خوفاً من البيات، فإنه لقربه كان لا يأمن ذلك، ثم ترددت الرسل إلى عز الدين ومجاهد الدين في الصلح، فلما رأى صلاح الدين أنه لا ينال من الموصل غرضاً، ولا يحصل على غير العناء والتعب، وأن من بسنجار من العساكر الموصلية يقطعون طريق من يقصدونه من عساكره وأصحابه، سار من الموصل إليها.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً