أمر المنصور بن أبي عامر ببناء قصره المعروف بالزاهرة، وذلك عندما استفحل أمره، واتقد جمره، وظهر استبداده، وكثر حساده، وخاف على نفسه في الدخول إلى قصر السلطان، وخشي أن يقع في أشطان. فتوثق لنفسه، وكشف له ما ستر عنه في أمسه، من الاعتزاز عليه؛ ورفع الاستناد إليه؛ وسما إلى ما سمت إليه الملوك من اختراع قصر ينزل فيه، ويحله بأهله وذويه، ويضم إليه رياسته، ويتمم به تدبيره وسياسته، ويجمع فيه فتيانه وغلمانه. فارتاد موضع مدينته المعروفة بالزاهرة، الموصوفة بالقصور الباهرة، وأقامها بطرف البلد على نهر قرطبة الأعظم، ونسق فيها كل اقتدار معجز ونظم. وشرع في بنائها في هذه السنة المؤرخة، وحشد إليها الصناع والفعلة، وجلب إليها الآلات الجليلة، وسربلها بهاء يرد العيون كليلة؛ وتوسع في اختطافها، وتولع بانتشارها في البسيطة وانبساطها، وبالغ في رفع أسوارها، وثابر على تسوية أنجادها وأغوارها. فاتسعت هذه المدينة في المدَّة القريبة، وصار من الأنباء الغريبة. وبنى معظمها في عامين.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً