توفي قتادة بن إدريس العلوي، ثم الحسني، أمير مكة، حرسها الله، بها، وكان عمره نحو تسعين سنة، وكان في أول ملكه، لما ملك مكة، حرسها الله، حسن السيرة أزال عنها العبيد المفسدين، وحمى البلاد، وأحسن إلى الحجاج، وأكرمهم، وبقي كذلك مدة، ثم إنه بعد ذلك أساء السيرة، وجدد المكوس بمكة، وفعل أفعالاً شنيعة، ونهب الحاج في بعض السنين، وقيل في موت قتادة إن ابنه حسناً خنقه فمات؛ وسبب ذلك أن قتادة جمع جموعاً كثيرة وسار عن مكة يريد المدينة، فنزل بوادي الفرع وهو مريض، وسير أخاه على الجيش ومعه ابنه الحسن بن قتادة، فلما أبعدوا بلغ الحسن أن عمه قال لبعض الجند: إن أخي مريض، وهو ميت لا محالة؛ وطلب منهم أن يحلفوا له ليكون هو الأمير بعد أخيه قتادة، فحضر الحسن عند عمه، واجتمع إليه كثير من الأجناد والمماليك الذين لأبيه، فقال الحسن لعمه: قد فعلت كذا وكذا، فقال: لم أفعل؛ فأمر حسن الحاضرين بقتله، فلم يفعلوا، وقالوا: أنت أمير وهذا أمير، ولا نمد أيدينا إلى أحدكما، فقال له غلامان لقتادة: نحن عبيدك، فمرنا بما شئت؛ فأمرهم أن يجعلا عمامة عمه في عنقه، ففعلا، ثم قتله، فسمع قتادة الخبر، فبلغ منه الغيظ كل مبلغ، وحلف ليقتلن ابنه، وكان على ما كان من المرض، فكتب بعض أصحابه إلى الحسن يعرفه الحال، ويقول له: ابدأ به قبل أن يقتلك؛ فعاد الحسن إلى مكة، فلما وصلها قصد دار أبيه في نفر يسير فوجد على باب الدار جمعاً كثيراً، فأمرهم بالانصراف إلى منازلهم، ففارقوا الدار وعادوا إلى مساكنهم، ودخل الحسن إلى أبيه، فلما رآه أبوه شتمه، وبالغ في ذمه وتهديده، فوثب إليه الحسن فخنقه لوقته، وخرج إلى الحرم الشريف، وأحضر الأشراف، وقال: إن أبي قد اشتد مرضه، وقد أمركم أن تحلفوا لي أن أكون أنا أميركم؛ فحلفوا له، ثم إنه أظهر تابوتاً ودفنه ليظن الناس أنه مات، وكان قد دفنه سراً، فلما استقرت الإمارة بمكة له أرسل إلى أخيه الذي بقلعة الينبع على لسان أبيه يستدعيه، وكتم موت أبيه عنه، فلما حضر أخوه قتله أيضاً، واستقر أمره، وثبت قدمه، فارتكب عظيماً: قتل أباه وعمه وأخاه في أيام يسيرة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً