توفي الكاتب المؤرخ محيي الدين بن عبدالظاهر، وكان من أبرع المؤرخين الذين ظهروا في مطالع دولة المماليك البحرية، وكان إلى جانب كونه مؤرخا، كاتبا صاحب قلم بليغ أهّله لأن يحتل مكانة مرموقة في الصف الأول من كتاب العربية. ولد بالقاهرة في (٩ من المحرم ٦٢٠هـ = ١٢ من فبراير ١٢٢٣م)، بدأ حياته بحفظ القرآن مثل أقرانه من طلبة العلم، وتردد على حلقات الفقهاء والمحدثين. وامتدت ثقافته لتشمل الأدب والتاريخ والأخبار، وهو ما مكنه من الالتحاق بديوان الإنشاء على عهد الأيوبيين الذي كان يضم فحول الكتاب البارعين. ولم يبدأ نجم ابن عبدالظاهر في التألق والظهور إلا في عهد السلطان الظاهر بيبرس، حين عهد إليه بعمل شجرة نسب للخليفة الحاكم بأمر الله أحمد العباسي، الذي اختاره بيبرس خليفة للمسلمين في محاولة منه لإحياء الخلافة العباسية في القاهرة بعد أن سقطت في بغداد سنة (٦٥٦هـ = ١٢٥٧م)، ثم توثقت صلته بالظاهر بيبرس حتى صار موضع ثقته، فعندما أرسل إليه الملك المغولي بركة خان يطلب عقد حلف مع بيبرس كتب ابن عبدالظاهر صيغة الكتاب، وقرأه على السلطان بحضور الأمراء، كما كتب تفويض الظاهر بيبرس بولاية العهد إلى ولده الملك السعيد بركة خان. واحتفظ ابن عبدالظاهر بمكانته أيضا في عهد السلطان قلاوون الذي حكم مصر بعد الظاهر بيبرس وولديه، وكتب له تفويض السلطنة بولاية العهد إلى ابنه علاء الدين علي، ثم لابنه الملك الأشرف خليل قلاوون. وقد أشاد ببلاغته معاصروه وشهدوا له بالتقدم في صناعة الكتابة والأدب؛ فقد وصفه القلقشندي بأنه وأبناؤه "بيت الفصاحة ورؤوس البلاغة"، وقال عنه ابن تغري بردي بأنه "من سادات الكتاب ورؤسائهم وفضلائهم". ولما وضع ابن عبدالظاهر مؤلفاته التاريخية ضمنها عددا كبيرا من الوثائق التي كتبها، وصاغ أحداث عصره ووقائعه وصور أبطاله ومعاركه. وترك ابن عبدالظاهر عددا من المؤلفات التاريخية والأدبية وصل إلينا كثير منها مثل: الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر، وهذه السيرة كتبها المؤلف في حياة السلطان، وتشريف الأيام والعصور بسيرة السلطان الملك المنصور، وهي سيرة للمنصور قلاوون، والروضة البهية الزاهرة في خطط المُعِزّية القاهرة. وقد امتدت الحياة بابن عبدالظاهر حتى تجاوز السبعين من عمره قضى معظمها قريبا من الأحداث التي شهدتها مصر والشام فسجلها في كتبه. تُوفي في القاهرة في (٤ من شهر رجب من هذه السنة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً