سار صلاح الدين إلى شقيف أرنون، وهو من أمنع الحصون، ليحصره، فنزل بمرج عيون، فنزل صاحب الشقيف، وهو أرناط صاحب صيدا، وكان أرناط هذا من أعظم الناس دهاء ومكراً، فدخل إليه واجتمع به، وأظهر له الطاعة والمودة، وقال أنه سيسلم له الحصن فظن صلاح الدين صدقه، فأجابه إلى ما سأل، فاستقر الأمر بينهما أن يسلم الشقيف في جمادى الآخرة، وأقام صلاح الدين بمرج عيون ينتظر الميعاد، وكان أرناط، في مدة الهدنة، يشتري الأقوات من سوق العسكر والسلاح وغير ذلك مما يحصن به شقيف، فلما قارب انقضاء الهدنة تقدم صلاح الدين من معسكره إلى القرب من شقيف أرنون وأحضر عنده أرناط وقد بقي من الأجل ثلاثة أيام، فقال له في معنى تسليم الشقيف، فاعتذر بأولاده وأهله، وأن المركيس لم يمكنهم من المجيء إليه وطلب التأخير مدة أخرى، فحينئذ علم السلطان مكره وخداعه، فأخذه وحبسه، وأمره بتسليم الشقيف، فطلب قسيساً، ذكره، لحمله رسالة إلى من بالشقيف ليسلموه، فأحضروه عنده، فساره بما لم يعلموا، فمضى ذلك القسيس إلى الشقيف، فأظهر أهله العصيان، فسير صلاح الدين أرناط إلى دمشق وسجنه، وتقدم إلى الشقيف فحصره وضيق عليه، وجعل عليه من يحفظه ويمنع عنه الذخيرة والرجال.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً