للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عماد الدين زنكي يحرز نصرا كبيرا على الصليبيين ويحرر إمارة الرها.]

العام الهجري:٥٣٩

الشهر القمري:جمادى الآخرة

العام الميلادي:١١٤٤

تفاصيل الحدث:

سادس جمادى الأخرة، فتح أتابك عماد الدين زنكي بن آقسنقر مدينة الرها من الفرنج، وفتح غيرها من حصونهم بالجزيرة أيضاً، وكان ضررهم قد عم بلاد الجزيرة وشرهم قد استطار فيها، ووصلت غاراتهم إلى أدانيها وأقاصيها، وبلغت آمد ونصيبين ورأس عين والرقة، وكانت مملكتهم بهذه الديار من قريب ماردين إلى الفرات مثل الرها، وسروج، والبيرة، وسن ابن عطير، وحملين، والموزر والقرادي وغير ذلك. وكانت هذه الأعمال مع غيرها مما هو غرب الفرات لجوسلين، وكان صاحب رأي الفرنج والمقدم على عساكرهم، لما هو عليه من الشجاعة والمكر، وكان أتابك يعلم أنه متى قصد حصرها اجتمع فيها من الفرنج من يمنعها، فيتعذر عليه ملكها لا هي عليه من الحصانة، فاشتغل بديار بكر ليوهم الفرنج أنه غير متفرغ لقصد بلادهم. فلما رأوا أنه غير قادر على ترك الملوك الأرتقية وغيرهم من ملوك ديار بكر، حيث أنه محارب لهم، اطمأنوا، وفارق جوسلين الرها وعبر الفرات إلى بلاد الغربية، فجاءت عيون أتابك إليه فأخبرته فنادى العسكر بالرحيل وأن لا يتخلف عن الرها أحد من غد يومه، وجمع الأمراء عنده، وقال: قدموا الطعام؛ وقال: لا يأكل معي على مائدتي هذه إلا من يطعن غداً معي على باب الرها؛ فلم يتقدم إليه غير أمير واحد وصبي لا يعرف، لما يعلمون من إقدامه وشجاعته، وأن أحداً لا يقدر على مجاراته في الحرب، فقال الأمير لذلك الصبي: ما أنت في هذا المقام؟ فقال أتابك: دعه فوالله إني أرى وجهاً لا يتخلف عني وسار والعساكر معه، ووصل إلى الرها، وكان هو أول من حمل على الفرنج ومعه ذلك الصبي، وحمل فارس من خيالة الفرنج على أتابك عرضاً، فاعترضه ذلك الأمير فطعنه فقتله، وسلم الشهيد، ونازل البلد، وقاتله ثمانية وعشرين يوماً، فزحف إليه عدة دفعات، وقدم النقابين فنقبوا سور البلد، ولج في قتاله خوفاً من اجتماع الفرنج والمسير إليه واستنقاذ البلد منه، فسقطت البدنة التي نقبها النقابون وأخذ البلد عنوة وقهراً، وحصر قلعته فملكها أيضاً، ونهب الناس الأموال وسبوا الذرية وقتلوا الرجال، فلما رأى أتابك البلد أعجبه، ورأى أن تخريب مثله لا يجوز في السياسة، فأمر فنودي في العساكر برد من أخذوه من الرجال والنساء والأطفال إلى بيوتهم، وإعادة ما غنموه من أثاثهم وأمتعتهم، فردوا الجميع عن آخرهم لم يفقد منهم أحد إلا الشاذ النادر الذي أخذ وفارق من أخذه العسكر، فعاد البلد إلى حاله الأول، وجعل فيه عسكراً يحفظه، وتسلم مدينة سروج وسائر الأماكن التي كانت بيد الفرنج شرقي الفرات ما عدا البيرة فإنها حصينة منيعة وعلى شاطئ الفرات، فسار إليها وحاصرها، وكانوا قد أكثروا ميرتها ورجالها، فبقي على حصارها إلى أن رحل عنها.

(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً

<<  <  ج: ص:  >  >>