أخذ الملك الناصر صاحب الشام في الحركة لأخذ مصر، بتحريض الأمير شمس الدين لؤلؤ الأميني له على ذلك، فخرج الناصر من دمشق بعساكره، يوم الأحد النصف من شهر رمضان، ومعه الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن العادل أبي بكر بن أيوب ثم برز الأمير حسام الدين أبو علي من القاهرة، وكان الوقت شتاء، وفي تاسع شوال برز الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار - مقدم البحرية - في جمهور العسكر من الترك، وسارت العساكر في حادي عشره، واجتمعت بالصالحية، ثم في الثالث من ذي القعدة نزل الملك المعز من قلعة الجبل فيمن بقي عنده من العساكر، وسار إلى الصالحية وبها العساكر التي خرجت قبله، وترك بقلعة الجبل الملك الأشرف موسى فاستقرت عساكر مصر بالصالحية إلى يوم الاثنين سابعه، فوصل الملك الناصر بعساكره إلى كراع - وهي قريبة من العباسية، فتقارب ما بين العسكرين وكان في ظن كل أحد أن النصرة إنما تكون للملك الناصر على البحرية، لكثرة عساكره ولميل أكثر عسكر مصر إليه، فاتفق أنه كان مع الناصر جمع غير من ممالك أبيه الملك العزيز، وهم أتراك يميلون إلى البحرية لعلة الجنسية، ولكراهتهم في الأمير شمس الدين لؤلؤ مدير المملكة، فعندما نزل الناصر بمنزلة الكراع، قريباً من الخشبي بالرمل، رحل المعز أيبك بعساكر مصر من الصالحية، ونزل اتجاهه بسموط إلى يوم الخميس عاشره، فركب الملك الناصر في العساكر، ورتب ميمنة وميسرة وقلباً، وركب المعز، ورتب أيضاً عساكره، وكانت الوقعة في الساعة الرابعة، فاتفق فيها أن الكرة كانت أولاً على عساكر مصر، ثم صارت على الشاميين: وذلك أن ميمنة عسكر الشام حملت هي والميسرة على من بإزائها حملة شديدة، فانكسرت ميسرة المصريين وولوا منهزمين، وزحف أبطال الشاميين وراءهم، وما لهم علم بما جرى خلفهم، وانكسرت ميمنة أهل الشام، وثبت كل من القلبين واقتتلوا، ومر المنهزمون من عسكر مصر إلى بلاد الصعيد، وقد نهبت أثقالهم، وعندما مروا على القاهرة خطب بها للملك الصالح إسماعيل صاحب دمشق، وخطب له بقلعة الجبل ومصر وأما ميمنة أهل الشام فإنها لما كسرت قتل منهم عسكر مصر خلقاً كثيراً في الرمل، وأسروا أكثر مما قتلوا، وتعين الظفر للناصر وهو ثابت في القلب، واتجاهه المعز أيبك أيضاً في القلب فخاف أمراء الناصر منه أن ينحيهم إذا تم له الأمر، وخامروا عليه وفروا بأطلابهم إلى الملك المعز فخارت قوى الناصر من ذهاب المذكورين إلى الملك المعز، فحمل المعز بمن معه على سناجق الناصر، ظناً منه أن الناصر تحتها، فحمل المعز عليهم وثبتوا له، ثم انحاز إلى جانب يريد الفرار إلى جهة الشوبك، ووقف الناصر في جمع من العزيزية وغيرهم تحت سناجقه وقد اطمأن، فخرج عليهم المعز - ومعه الفارس أقطاي - في ثلاثمائة من البحرية، وقرب منه فخامر عدة ممن كان مع الناصر عليه، ومالوا مع المعز والبحرية، فولى الناصر فاراً يريد الشام في خاصته وغلمانه، واستولى البحرية على سناجقه، وكسروا صناديقه ونهبوا أمواله، فأمر الملك بضرب عنق الأمير شمس الدين لؤلؤ، فأخذته السيوف حتى قطع، وضربت عنق الأمير ضياء الدين القيمري وأتي بالملك الصالح إسماعيل وهو راكب، فسلم عليه الملك المعز وأوقفه إلى جانبه، وتمزق أهل الشام كل ممزق، وأما العسكر الشامي الذي كسر ميسرة المصريين، فإنه وصل إلى العباسية ونزل بها، وضرب الدهليز الناصري هناك، وفيهم الأمير جمال الدين بن يغمور نائب السلطنة بدمشق وعدة من أمراء الناصر، وهم لا يشكون أن أمر المصريين قد بطل وزال، وأن الملك الناصر مقدم عليهم ليسيروا في خدمته إلى القاهرة، فبينا هم كذلك إذ وصل إليهم الخبر بهروب الملك الناصر، وقتل الأمراء وأسر الملوك وغيرهم، فهم طائفة منهم أن يسيروا إلى القاهرة ويستولوا عليها، ومنهم من رأى الرجوع إلى الشام، ثم اتفقوا على الرجوع.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً