للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فتنة العبيد بمكة.]

العام الهجري:٧٣٠

الشهر القمري:ذو الحجة

العام الميلادي:١٣٣٠

تفاصيل الحدث:

وفي يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة، قتل الأمير الدمر جاندار بمكة وكان من خبر ذلك أن أمير الركب العراقي في هذه السنة كان من أهل توريز يعرف بمحمد الحجيج، وكان يتقرب من أولاد جوبان، فترقى بهم إلى معرفة السلطان أبوسعيد، فعظم أمره وجعله من ندمائه، وبعثه رسولا إلى مصر غير مرة، فأعجب به السلطان الناصر ولاق بخاطره إلى أن بلغه عنه أنه تعرض في مجلس أبي سعيد لشيء ذكر مما يكرهه السلطان فتنكر له وأسر ذلك في نفسه، فلما بلغه أنه سار أمير الركب العراقي كتب إلى الشريف عطفة بن أبي نمي سرا أن يتحيل في قتله، فلم يجد عطيفة بداً من امتثال ما أمر به، وأطلع ولده مبارك بن عطيفة ومن يثق به على ذلك، وتقدم إليهم بأعمال الحيلة فيه، فلما قضى الحاج النسك عاد منهم الأمير علم الدين سنجر الجاولي إلى مصر، ومعه جماعة، في يوم الأربعاء ثاني عشر ذي الحجة، وتأخر الأمير سيف الدين خاص ترك أمير الحاج، والأمير الدمر جاندار، والأمير أحمد ابن خالة السلطان، ليصلوا بمكة صلاة الجمعة، ومعهم بقية حجاج مصر، فلما حضروا للجمعة وصعد الخطيب المنبر، أراد الشريف عمل ما رسم له به، وأخذ العبيد في إثارة الفتنة بين الناس ليحصل الغرض بذلك، وأول ما بدأوا به أن عبثوا ببعض حاج العراق، وخطفوا شيئاً من أموالهم، وكان الشريف عطيفة جالساً إلى جانب الأمير خاص ترك أمير الركب، فصرخ الناس بالأمير الدمر وليس عنده علم بما كتب به السلطان إلى الشريف عطيفة، وكان مع ذلك شجاعاً حاد المزاج قوي النفس، فنهض ومعه من المماليك، وقد تزايد صراخ الناس، وأتى الشريف وسبه، وقبض بعض قواده وأخرق به، فلاطفه الشريف فلم يلن، واشتد صياح الناس، فركب الشريف مبارك بن عطيفة في قواد مكة بآلة الحرب، وركب جند مصر، فبادر خليل ولد الأمير الدمر وضرب أحد العبيد، فرماه العبد بحربة فقتله، فاشتد حنق أبيه وحمل بنفسه لأخذ ثأر ولده فقتل هو أيضا، ويقال بل صدف الشريف مبارك بن عطيفة، وقد قصد ركب العراق وعليه آلة حربه، فقال له، " ويلك تريد أن تثير فتنة، وهم أن يضربه بالدبوس، فضربه مبارك بحربة كانت في يده أنفذها من صدره فخر صريعاً، وقتل معه رجلان من جماعته، فركب أمير الركب عند ذلك ونجا بنفسه، ورمي مبارك بن عطيفة بسهم في يده فشلت، واختبط الناس بأسرهم، وركب أهل مكة سطح الحرم، ورموا أمير أحمد ابن خالة السلطان ومن معه بالحجارة، وقد أفرغ نشابه بين يديه هو ومن معه، ورمى بها حتى خلص أيضاً، وفر أمير ركب العراق وتحير الشريف عطيفة في أمره، ومازال يداري الأمر حتى خرج الحاج بأجمعهم من مكة، وتوجهوا إلى بلادهم، وتراجع الأمراء المصريون إلى مكة لطلب بعض الثأر فلم ينتج أمرهم وعادوا فارين، ثم أمر أمير المصريين بالرحيل، وعادوا إلى القاهرة وأخبروا الملك الناصر محمد بن قلاوون، فجهز إلى مكة عسكراً كثيفاً وعليه عمة من الأمراء، فتوجهوا وأخفوا بثأر أيدمر وابنه، وقتلو جماعة كثيرة من العبيد وغيرهم، وأسرفوا في ذلك وخرجوا عن الحد إلى الغاية، وتشتت أشراف مكة والعبيد عن أوطانهم وأخذت أموالهم، وحكمت الترك مكة من تلك السنة إلى يومنا هذا، وزال منها سطوة أشراف مكة الرافضة والعبيد إلى يومنا هذا، وانقمع أهلها وارتدعوا، وكرههم الملك الناصر ومقتهم وأقصاهم، حتى إنه لما حج بعد ذلك كان إذا أتاه صاحب مكة لا يقوم له مع تواضع الملك الناصر للفقهاء والأشراف والصلحاء وغيرهم.

(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظراً لاشتماله على أكثر من عام هجري أحياناً

<<  <  ج: ص:  >  >>